الأربعاء، 20 فبراير 2013

المدينة وديمومة الرداءة


المدينة وديمومة الرداءة

 لم تحملني الصدفة إلى إحدى المدن الكبيرة إلا استغربتُ، كيف لا تندلع فيها يوميًا انتفاضات وفظاعات ومجازر لا تُوصف وفوضى تُذكر بيوم القيامة، وكيف يمكن في حيزٍ بهذا الضيق لبشر بهذا العدد أن يتعايشوا، دون أن يُدمر بعضُهم بعضًا، ودون أن يتباغضوا حتى الموت ؟ والحق أنهم يتباغضون، لكنهم ليس في مستوى بَغضائهم. هذا العجز وهذه الرداءة هما اللذان يُنقذان المجتمع ويؤمنان له ديمومته واستقراره. استقرار تخترقه أحيانًا هزات عابرة تستفيد منها غرائزنا، ثم سرعان ما ينظر أحدُنا في عيني الآخر وكأن شيئًا لم يكن، مواصلين التعايش دون تناحر ظاهر أكثر من اللزوم. هكذا يستتب النظام في هدوء وشراسة، يجعلانه في المُحصلة أخطر من الفوضي التي قطعته. 
تاريخ ويوتوبيا - إميل سيوران
ترجمة : آدم فتحي

الثلاثاء، 5 فبراير 2013

اللغة والجنس


" والمقارنة الأخيرة – وهي مقارنتهما المفضلة – ستقودهما إلى دزينة من المقارنات الأُخَر بين السرد وفنون الجنس، سواء اختلفا بشدة بشأنها أو اتفقا بنفس حدة اختلافهما؛ أخبرنا الجني أن هناك، في الزمان والمكان الذين أتى منهما، علماء للمشاعر تصوروا أن اللغة ذاتها، من ناحية، تكونت كـ " نشاط طفولي أيروسي ماقبل جنسي، كانحراف متعدد الأوجه"، وأن انتباه الوعي، من ناحية أخرى، كان " تركيز مفرط للطاقة الجنسية"، وأيًا كانت التعويذات السحرية المستخدمة من قبلهم فعلى ما يبدو أنهم يعنون أن الكتابة والقراءة، أو الحكي والإنصات، كانوا وسائل لغوية لممارسة الحب .
وأيًا كانت حقيقة الأمر، فلا الجني ولا شهرزاد اهتما بذلك على الإطلاق، فدائمًا ماكانا يفضلان الحديث كأن الأمر حقيقي (وهي كلماتهما المفضلة)، ومن ثم فأنهما لاحظا التشابه بين البناء الدرامي الاصطلاحي – عرض الموضوع، تصاعد الأحداث، الذروة ثم الحل –، ومسار الممارسة الجنسية – المداعبة، الإيلاج، القذف ثم الفراغ -، ومن هنا اعتقدا في شعبية الحب ( والقتال، الوجه المظلم لنفس الدرهم )، كشكل سردي، وعناق العشاق كذروة سردية، واسترخاء ما بعد الجماع كأرضية طبيعية للسرد؛ أي وقت أفضل لحكي الحكايات من نهاية اليوم، في السرير بعد ممارسة الحب، (أو حول نيران المعسكر بعد معركة أو مغامرة، أو أمام نار المدفأة بعد انتهاء العمل)، للتعبير عن، وتقوية الروابط بين العشاق، الرفاق،  وزملاء العمل "
ترجمة : ياسر عبد الله