الأربعاء، 20 فبراير 2013

المدينة وديمومة الرداءة


المدينة وديمومة الرداءة

 لم تحملني الصدفة إلى إحدى المدن الكبيرة إلا استغربتُ، كيف لا تندلع فيها يوميًا انتفاضات وفظاعات ومجازر لا تُوصف وفوضى تُذكر بيوم القيامة، وكيف يمكن في حيزٍ بهذا الضيق لبشر بهذا العدد أن يتعايشوا، دون أن يُدمر بعضُهم بعضًا، ودون أن يتباغضوا حتى الموت ؟ والحق أنهم يتباغضون، لكنهم ليس في مستوى بَغضائهم. هذا العجز وهذه الرداءة هما اللذان يُنقذان المجتمع ويؤمنان له ديمومته واستقراره. استقرار تخترقه أحيانًا هزات عابرة تستفيد منها غرائزنا، ثم سرعان ما ينظر أحدُنا في عيني الآخر وكأن شيئًا لم يكن، مواصلين التعايش دون تناحر ظاهر أكثر من اللزوم. هكذا يستتب النظام في هدوء وشراسة، يجعلانه في المُحصلة أخطر من الفوضي التي قطعته. 
تاريخ ويوتوبيا - إميل سيوران
ترجمة : آدم فتحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق