الأربعاء، 13 مارس 2013

الثورة بين المنبر والمبولة


الثورة بين المنبر والمبولة
المنبر والمبولة :
ثلاث مشاهد لا تفصلها إلا سويعات قليلة تحدث في مكان واحد في يوم واحد، الأربعاء 9 فبراير 2011، أثناء اعتصام التحرير الأول (النفي المطلق لخراء الثورة كلها).
مشهد أول : على منصة الإذاعة الشعبية أمام مقهى وادي النيل يمسك الرفيق سامح عبود بمكبر الصوت ليلقِ كلمة مرتجلة عن عدم كفاية الاعتصام كفعل ثوري وضرورة تطويره عبر لجان شعبية منتشرة في كل الجمهورية تمارس السلطة المباشرة، تحت المنصة يقاطعه شخص، بعنف يصرخ قائلاً "مفيش حاجة هتحصل غير لما مبارك .. يمشي يمشي يمشي"، ويبدأ في ارتجال هتاف، لا أفهم سر عداء الرجل المفاجئ تجاه سامح، أسكته بصوتٍ عالٍ، بعد انتهاء المشهد أدرك المسألة، لقد جرح سامح بكلمته عن عدم كفاية الفعل كرامته الثورية، لا يتصور الرجل أن للاعتصام (الثورة بحسب التعبير المتداول وقتها) خراء ومساوئ.
مشهد ثاني: على منصة التحرير الرئيسة، منصة هارديز كما يعرفها الجميع، تقف فتاة وتصرخ بصوتٍ عالٍ "الميدان دا اتقتل فيه ناس مش جايين ترقصوا وتغنوا فيه"، أسمعها وأعلق داخلي بجملة إيما غولدمان "إن لم أستطع الرقص فتلك ليست ثورتي"، لكن تلك الفتاة لم تسمعني ولم تهتم، كل ما هم قولها وعقلها أن تنفي أن للثورة فعل آخر غير خلق المثال، تعلو الفتاة المنصة لتعلي من قيمة المثال، المثال هو النفي المطلق للخراء والسوء والفضلات، المثال لا يحتمل أن يكون به أشياء مبتذلة عادية كالرقص والغناء والسمر، لا يحتمل سوى الصعود على المنبر وتكريس المثال ونفي الخراء.
مشهد ثالث: في الجزيرة الوسطى أمام الكعكة الحجرية، حمامات مرتجلة مصنوعة من خشب ربما كان من بقايا أخشاب المنصة، لا يقع بعيدًا عن المنصات/المنابر التي تعلي من قيمة المثال وتنفي الخراء، في الشكل الأولي للدولة يبدأ البشر ببناء المسكن الخيمة والمنبر المنصة والحمام مقر تجمع الخراء.
في المسجد/الكنيسة/المعبد يعتلي الخطيب/الأب/الحبر المنبر ليخطب عن المثال، عن الفضيلة ونفي الخطيئة والخراء، في أحد أطراف المسجد/الكنيسة/المعبد يقع الحمام، النفي المطلق للفضيلة والمنتج الأساسي للخراء، وبينهما يجلس جموع المصلين/ الشعب.
في الميدان يعتلي الخطباء المنصة/المنبر ليتحدثوا عن الثورة المثال التي لا تقع فيها الخطيئة ولا تنتج الخراء، في طرف الميدان يصنع المعتصمون الحمامات ليمارسوا فيها الخراء، بين المنبر والمبولة تقع خيام الشعب الثائر.
الكيتش يفسر الأشياء:
في لحظة تتقارب السماء والأرض، يقع المنبر في المبولة، يتجادل ابن ستالين الزعيم المفدى، القائد الأسطورة والضرورة، بخصوص الخراء في حمامات المعسكرات النازية، يقول له الضابط الألماني أن عليه أن يمسح خراءه، فيسقط عالم المثال، يلقي ابن ستالين بنفسه على الأسلاك الشائكة المكهربة ويموت (ميلان كونديرا – خفة الوجود التي لاتُحتمل).
لا يقتل ابن ستالين نفسه عند وقوعه في الأسر، يقتل نفسه عند اضطراره بالقوة للتعرف على خرائه الخاص، المثال يجرحه الخراء، والنظريات التي تعتمد على تجريد المثال تجرده من كل خراء ممكن، يكتب كونديرا "كلمة كيتش في الأساس هي نفي مطلق للخراء" ويكتب أيضًا في مقال حول كلماته المفضلة حول حاجة الإنسان الكيتش للتعرف على نفسه في مرآة الكذب المجملة، حاجته لتجريد نفسه عن من حوله ونفي أي خراء محتمل.
صدمة الإنسان الأول حين اكتشف خراءه، حين اكتشف أن التفاحة التي أخرجته من فردوسه تتحول إلى قطعة بنية اسطوانية رخوة، وحين اكتشف إن الطعام الشهي يتحول إلى خراء داخله، الإنسان هو المنتج الوحيد للخراء الإنساني، لذا ينفيه دائمًا ويسعى إلى دفنه مثل القطط، وينفي أن يكون هذا الشيء صدر عنه، لا ينتج الخراء الإنساني إلا عن الإنسان، الطعام جميل المنظر ما لم يمسه فم بشري.
المناضل المثال لا يذهب إلى المبولة:
في الأسبوع الثاني من اعتصام التحرير الأول يخرج علينا صاحب الفيل في المنديل قائلاً "الميدان طبل وزمر وعلاقات جنسية كاملة"، أتوقف عند الطبل والزمر لأجد المنطق المحرك نفسه لخطيبة منصة هارديز، لا تصلح ثورة المثال بطبل وزمر ورقص.
النفي اللاحق لعبارة صاحب حاحا وتفاحة يقع في نفي الفعل نفسه، لا يمارس الثوار الجنس، وليس لديهم أعضاء جنسية تنتج الخراء، لنتخيل المناضل المثال غيفارا بعد خطبة عصماء يجلس على قاعدة الحمام ليخري أو يقف على المبولة مشلحًا بنطاله يتبول، لنتخيل الزعيم الكاريزما جمال عبد الناصر بعد خطبة تأميم القناة مصابًا بالاسهال، أو بعد خطبة هنحارب هنحارب خالعًا ملابسه، عاريًا ينادي على أم خالد "ارفعي رجليكي يا مزة"، الجنس مثل الخراء فعل سري لا يصلح تخيل الثائر المثالي وهو يمارسه، لا عجب أننا نكشف في الجنس عن أعضاء لا نكشفها إلا أثناء فعل الخراء أو أثناء نفي الخراء والاغتسال منه.
الثائر المثال كنفي مطلق للخراء:
بعد التنحي وإنجاز مهمة المثال كان علينا الاتحاد جميعًا بالمثال، من هنا تم توزيع بنود المثال، "ابدأ بنفسك .. احلف .. مش هأرمي زبالة تاني في الشارع .. مش هأعاكس .. مش .. مش"، أقسم أن أصبح مثالًا، فالثائر الحق لا يتبول ولا يعاكس، فالثائر المثال لا يملك أعضاءً جنسية تخرج فضلات وخراء.
تسقط الثورة في فخ مثالها، في رغبة البشر المكونين لجسدها المتخيل في شيطنة الآخر ونفي خرائهم الشخصي، تتحول إلى فعل داخلي، ابدأ بنفسك لا تشكل مشكلة إلا حين تتحول إلى فعلٍ ضمائري سيسقط في فخ التدين المؤسسي، طالما لم تنجز ثورة إصلاح ديني تعتبر إن الضمير شأن شخصي وخاص مثله مثل الخراء والجنس، لكي تبدأ بنفسك عليك أن تتعالى على خرائك، لا أن تعالجه، النفي المطلق للشيء يعني دفنه وإنكاره، ينكر الثائر المثال كل مساوئ فعله، ليس بالميدان تحرش هناك إرهاب جنسي من فلول النظام، يجيب الثائر المثال، لم يدخن أي معتصم حشيش داخل الخيم، يجيب الثائر المثال، لا يمارس الثائر الجنس خارج الزواج التقليدي، يقسم الثائر المثال، لا يشرب الثائر الخمر، (فالخمر منتجة للقيء الأخ التوأم للخراء)، يسقط الثائر المثال في فخ المثال، ومن أجل المثال ينفي كل ما عداه، يضع الواقع على سرير بروكرست اللص الأغريقي الذي كان يقطع أرجل الناس إن لم تناسب سريره، على الواقع أن يكون مثالي، فالمجتمع عظيم ويكفي إزاحة مبارك الخراء لكي نعيش في الفردوس، والشعب طيب ولا يجب سوى إزاحة الإخوان ليخرج المصريون أجمل ما فيهم بعد تطهرهم من خراء الإخوان.
يوم التاسع من فبراير 2011 لم أكن قد عرفت بعد مصطلح  "ميكروفاشية" المستخدم من قبل دولوز وغواتاري، لكني حين عدت إلى منزلي كتبت تأملاتي حول فاشية محتملة، ستنشأ من رغبة الثائرين الرومانسيين في نفي خرائهم ودفنه.

على الثورة الاعتراف بخرائها لتخرج من فخ فاشية المثال.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق