الأحد، 8 يونيو 2014

في النصب والانتصاب


في النصب والانتصاب

ياسر عبد الله

تأصيل لغوي:

ن ص ب: (نَصَبَ) الشيءَ أقامه وبابه ضَرَبَ و(المَنْصِبُ) بوزن المجلس الأصل وكذا (النِصَابُ) بالكسر.
و(نَصِبَ) تَعِبَ وبابه طَرِبَ، وهمٌ (نَاصِبٌ) أي ذو نَصَبٍ كرجل تامر ولابن، وقيل هو فاعل بمعنى مفعول فيه لأنه يُنْصَبُ فيه ويتعب كَلَيْلِ نائم أي يُنام فيه ويوم عاصف أي تَعصِفُ فيه الريح، و(النَّصْبُ) بوزن الضَّربِ ما نُصِبً فعُبِدَ من دون الله وكذا (النُّصْبُ) بوزن القُفْلٍ وقد تضم صاده أيضًا والجمع (أنصاب)، و(النُصْبُ) أيضًا الشر والبلاء ومنه قوله تعالى {بِنُصبٍ وعَذَابٍ}
                                                                                                                   مختار الصحاح
                                                                                                                 مادة ن ص ب.

مفتتح:

ليس لدى المارشال من ينصبه لذا يبحث عمن يناصبه العداء، ويخوض، هو الذي لم يخض حربًا قط، حربًا مع أشباحه، أشباح مركبة منحته شرعيات متراكبة متراكمة في مراحل مختلفة من حياته وأيام صعوده.
حربه الأولى مع شبح رئيس منحه شرعيته كوزير دفاع، رئيس خلعه فيما بعد من منصبه لكنه فشل في خلعه من رأسه، فظل ينصبه ويناصبه كطيف طارق يطارده، مرة بطلب تفويض شعبي يواجه به شبح شرعية الصندوق ومرة أخرى بمد أيام التصويت ثلاثًا ليتغلب، ولو بالتمديد والإطالة على عدد مصوتي الرئيس الذي منحه شرعية وزير الدفاع وقائد الجيوش ليخلعه بذات الشرعية، وشبح المؤسسة، تلك التي ترشح وهو يرتدي بزتها وهو يعلم علم اليقين أن هالته تكمن في بيادتيه وكتافاته، فظلت هالته العسكرية شبحًا يطارده، فلم ينس أن يرقِ نفسه إلى رتبة المشير بعد أن منحته المؤسسة تفويضها وشرعيتها، يرتقي بنفسه ليعلو في التراتب العسكري على آخر رئيس من داخل المؤسسة، المخلوع الفريق أول محمد حسني مبارك.
لكن أسوء أشباح المارشال شبحًا كامنًا، يجتاح شرق المتوسط مثلما اجتاح شبح الشيوعية أوروبا في مفتتح البيان الشيوعي، شبح لم يفوضه ولم يمنحه شرعية لكنه أنشئ الوضع الذي صعد به إلى سُدة الحكم، شبح الميدان الذي أدعى من سبقه الحلفان أمامه، لذا يستبدل المارشال جموع الرؤوساء بجموع الميدان، الميدان الذي لا يملك الاعتراف به، يعرفه مؤيدوه كنكسة، ولا يملك إنكاره، شبح كامن يذكره بولائه للفريق أول المخلوع مهما حلفت له جريدة العساس البريطانية بأغلظ الأيمان، يعلم جيدًا أنه لو لم يعترف بشرعية الميدان ولو اسمًا عليه أن ينكر شرعيته نفسها.
وحدهم مؤيدوه من المارشالجية لن يروا تلك الحرب الخفية التي يخوضها مارشالهم ضد أشباحه لأنهم يحاربون أشباحهم الأُخَر.

حاشية واصطلاح:

مارشالجية على نحو عرضحالجية وعربجية وبلطجية، اصطلاح مُركب من مارشال، وهو اسم أعجمي لرتبة المشير، وزائدة جي الموروثة من العثمانية والدالة على المهنة، يحب المارشالجية صيغة النسب (جي) ويكثرون من استخدامها، على نحو ينايرجية ويسارجية وغيرهم، ويُسَرون من الألفاظ الأعجمية، هم الذين سخروا من مرسي حين أفتي بأن الجاز والكحول don't mix، لكنهم لا يكفون عن تحذير أطفالهم من مسح ال nose بال dirty hand.
يحب المارشالجية دولة المارشال، تصورهم عن الدولة بسيط، هرم قائم الزوايا تجلس فوقه بدلة مارشال خاوية وفي يدها عصا المارشالية، تصوراتهم عن المجتمع المصري قائمة على خيالات درامية غذتها مسلسلات أسامة أنور عكاشة ومعرفتهم بالتاريخ قائمة على مسلسلات الأعوام الأخيرة التي أنتجتها تباعًا ال MBC.
مثل المارشال يحارب المارشالجية أشباحهم الخاصة، شبح عالم يستهدفهم لكن لابد من إبهاره، شبح دول تتآمر عليهم لكن لابد من تحيتها بمهرجانات السياحة لجلب رؤوس الأموال، لكنهم مثل مارشالهم الذي علمهم المارشالية وانتظروه طويلًا ليملئ فراغ قمة الهرم ويلبس البدلة، مسكونين بشبح الميدان، إنهم يريدون إبهار العالم لكنهم يعرفون إن العالم لم يهتم بأخبار مصر الداخلية طوال أكثر من ثلاثة عقود سوى أثناء اعتصام التحرير، ال 18 يومًا الملعونة عندهم، التي هزت الجمود المباركي لكنها لفتت نظر العالم، مثل شبح الينايرجية يريد أنصار المارشال إبهار العالم، حتى لو لم يستطيعوا الذهاب إليه في عقر داره، فلا بأس من إحضاره إلى عقر دارهم.
مثل المارشال، يبجل المارشالجية مارشالًا سابقًا، كان بكباشيًا لكنه لم يتوانى عن رفع عصا المارشالية وتصميم لباس نازي بلون أزرق بروسي على صدره زهرة لوتس.

تأريخ:

ينتمي السادات إلى تصور مارشالي عن العالم، قائم على قيادته ككبير للعائلة لكل الأشياء، لكن السادات أيضًا هو منشئ النيو ساداتية التي سار عليها مبارك من بعده، النيو ساداتية كانت المرحلة الثانية بعد اتباع المنهج الناصري، مرحلة صعد فيها مبارك إلى مقعد نائب الرئيس وسارع السادات في تطبيق برنامج الانفتاح، الذي سيسمى بعد ذلك برنامج الخصخصة.
يعود المارشال الجديد إلى شبح المارشال القديم، يحلم به وبسيفه وبساعته، ويأمل في تحقيق النيو ساداتية كما كانت في بدايتها، نيو ليبرالية بإشراف الجيش، نيو ليبرالية عطلها مبارك بجموده وبرغبته في توريث الحكم، وعجز عن تنفيذها المدنيون فصارت بحاجة إلى حسم مارشال عسكري.
الأمر الذي ينساه المارشال في حلمه بشبح المارشال القديم أن قامات الموتى عاجزة عن الانتصاب.

حاشية وانتصاب:

يتوسط العمر فيناصب جسد الإنسان العداء للإنسان، يراكم الميت فوق الحي، وتنزع الأعضاء للانجذاب نحو الأرض، هكذا ينصب الإنسان كرشًا يجره نحو الأرض ويحني قامته إلى الأمام ويمنعه من الانتصاب، ويضغط الكرش الميت على أسفل البطن فيمنع أعضاءً مخفية من الانتصاب.
كان المشير السابق على المشير الحالي شيخًا كبير، يظهر بقامة محنية لا تنتصب، مرتين عجز خلالهما عن نصب القامة العسكرية أمام مراكز القوى التي يرغب المشير الحالي في الحرب عليها، في نوفمبر 2011 ظهر محنيًا يعلن تحديد موعد تسليم السلطة للأعداء الطفوليين، للمدنيين، ومرة أخرى في فبراير 2012، ظهر محنيًا عاجزًا عن نصب إصبع واحد ومتمتمًا بكلمات بلا معنى "لازم الشعب كله يشارك".
في الأسبوع الأول من يوليو 2013 كان لابد من انتصاب الهامة والجسد ولو بمساعدة المنشطات، تسارع هوس نساء الطبقة الوسطى بالعسكر الوسيم، بعد أن تنحت صورة لاعب الكرة الوسيم وصورة مشجع الكرة الشوارعي، الأكثر وسامة وشجاعة الذي يخفي جسدًا منحوتًا منتصبًا، والإخفاء سر الفضول، عادت النسوة في المدينة إلى خيالات قديمة، وغنت خادمة المنزل "عاوز أتطوع طيار" ورددت أخرى "يا أبو الشريط الأحمر يا اللي"، عادت البنات الضالات إلى حضن أبناء الطبقة وتبادلن صورًا لفتيان ذوي حسن أنثوي، مرداء يشبهون مهند التركي، لكنهم منتصبو القامة داخل البدلة العسكرية، انتصاب القامة تلك هي المسألة.
ربما هي ليست المرة الأولى التي يصبح فيها خطاب الفحولة خطاب في مركز المشهد السياسي، قبل ذلك تداول المصريون نكاتًا عن فحولة المارشال السادات، "همت يا بنتي" كانت سر حيوية الفترة في المُخيلة الشعبية مقابل ثلاثة عقود خالية من إشاعات عن عشيقات محتملات سوى همس خافت، تردد بعد سقوط المخلوع، عن علاقة مع استر بولانسكي سببت اعتزالها.

حلم وواقع:

يعرف المصريون الشعبيون تلك المراهم والسفوف والبلابيع والحبوب، حُق عنبر يؤخذ منه بعود كبريت، وحجر جهنم يعجز الدائر عن شمه فضلًا عن بلعه، يعرف الجميع فضل الأفيون سوى النساء، يُدخل الأفيون آكله في سِنة تامة تلقيه في غيابات السُكر، فيشعر معها بأنه فحل الفحول بينما يكون عاجزًا عن انتصاب كامل.
مثل آكل الأفيون يقف لابس البدلة، يحلف أمام الوفود المحمولة جوًا، وينصب نفسه فليس لديه من ينصبه، مثل الإمبراطور صاحب الملابس، يقسم أتباعه بحسن ملابسه وعظمتها، بينما يعرف الجميع أنه يحلف عاريًا دون حتى ورقة توت خلع الإخوان وإنقاذ الوطن، لا يستره سوى قطرات دماء تناثرت من قتل أبرياء جراء الحرب على الأشباح.

خاتمة:

"إذا أراد ربنا هلاك نملة أنبت لها أجنحة"

مجموعة من 999 مثلًا جمعها شرف الدين بن أسد وترجمها وطبعها لويس بوركهاردت (1818)

·         تم التنسيق باستخدام الخط الأميري الصادر حسب رخصة المشاع الإبداعي 

هناك تعليق واحد: