الثلاثاء، 10 مارس 2015

كشري العدس الأصفر

كشري العدس الأصفر

لا يعرف أحدٌ على وجه الدقة عام مولده، فهو ابن العائلة الكشرية الأصغر ومحبوب الأسرة المُهمل المتروك، يبدو هذا جليًا حين نعرف أن مؤرخي الأطعمة الموقرين وجهابذة المطابخ لا يجمعون على اعتباره من أفراد العائلة، فالبعض لم يسمع به قبلًا والبعض الآخر يجزم إنه اختراع دخيل على تلك العائلة القديمة الراسخة، أما البعض الباقي فيقررون إنه كشريٌ أصيل أبًا عن جدٍ وكابرًا عن كابر.
يبدو هذا الأخ الأصغر ذو العدس الأصفر دخيلًا، ذاك ما يؤكده اختلاف الآراء حوله، لكن تؤكده عدة مظاهر أُخَر، فإذا كان من المُرجح تاريخيًا إن العائلة الكشرية بفرعها الكبيرين، كشري العدس الأسمر (صاحب الجبة) والمجدرة، قد نشأت إبّان غزو العثمانلية للشام ومصر، واضمحلال مجتمع المماليك، وانفصال الثقافتين، المصرية والشامية، نظرًا لانشقاقهما كإياليتين مختلفين في السلطنة، الانشقاق الذي تبعه انشقاق الكشري الأصل – لنسمه الحلقة الأولى احترامًا لنظرية التطور- إلى كشريين، أحدهما يُصنع من عدس وأرز والآخر يصنع من عدس وبُرغل اصطلح على تسميته بالمجدرة، والثابت تاريخيًا كذلك عند مؤرخي المطابخ إن الكشري أصيل وراسخ وهو ما يؤكده انتشاره، التجاري والمنزلي، في محيط القُطر كله، وتعززه ظاهرة انتشار سر صنعته، وتعززه ظاهرة أخرى يصطلح مؤرخو الأطعمة على تسميتها (ثبات الإضافات)، وثبات الإضافات هي إحدى الظواهر التي تؤكد قدم صنف ما من الطبخ وتقعيد طرق صناعته المختلفة، ويُرجح إنه في مرحلة ما من عُمر كُشري العدس الأسمر تم الاتفاق على مكوناته وطرائق صناعته وإضافاته، يذهب البعض أن ذلك حدث أثناء حكم محمد علي باشا ودولته الكبرى، وهو ما انعكس في توحيد الإضافات جميعًا من ثقافات شتى تجمعها الدولة الكبرى مثلما يجمعها الصحن الواحد، الورد (البصل المقلي) والدقة (الثوم المدقوق بالخل) المصريان والشطة السودانية والحمص الشامي، وهذا التوحيد من المؤكد رسوخه والاتفاق عليه فلا خلاف بين أي صانع كشري على مكوناته الإضافية، سواء كان صانعًا منزليًا أم سوقيًا.
لكن تلك الظواهر تنعدم عند الأخ الأصغر كشري العدس الأصفر، ويُرجح أحد المؤرخين الراسخين في الطبخ أن كشري العدس الأصفر ظهر إبّان الحكم الخديوي والتدخل الأجنبي في مصر، فهو ابن مدينة كوزمبوليتانية تحولت عن أكل العدس الأسمر إلى أكل عدس آخر قادم من ثقافة متوسطية هو العدس الأصفر ذهبي الوجنات والجِبّات -ويُرجح أن هذا العدس الذهبي كان محصورًا قبل ذلك في صناعة حسائه الشهير المنتشر في شرق المتوسط وجنوبه وشماله- ويُرجح ذلك المؤرخ أن اختلاط أبناء المدينة الكوزمباليتانية، وهي ناتج أصيل للمرحلة الخديوية، أدى إلى اختيار هذا العدس الذهبي لصناعة كُشري بديل مُخصص لهم وحدهم دون أبناء الفلاحين، ويعزز تلك الفرضية اقتصار كشري العدس الأصفر على المنازل دون الأسواق، وهو ما أدى إلى غياب عنصر ثبات الإضافات، حتى داخل المنزل الواحد، فمرة يُصنع وبجانبه سلاطة خضراء ومرة أخرى يصنع وبجانبه طماطم مُخللة في حين يكتفي البعض به وحده أو بطبق مخلل بلدي يصاحبه.
كل ذلك يؤكد حداثة هذا الأخ الأصغر مقابل رسوخ أخيه الأكبر، لكن بعض المؤرخين المتأثرين بالمادية التاريخية يؤكدون أن العدس الأصفر هو الأصل الذي تمت إزاحته حين انتشر العدس الأسود، ويستندون في ذلك إلى انتشار شُربته مقابل انحصار شُربة الآخر، ويرجعون ظهور الكشري الآخر لأحد مرات انحسار الفيضان ما أدى إلى ضرورة استبدال عدس الرخاء الذهبي بعدس الشقاء الأرضي.
لا أحد يعرف على وجه الدقة تاريخ ميلاد الإثنين، ولا أحد يستطيع الجزم بقرابتهما الأكيدة رغم اشتراكهما في وحدة التصنيف الكُشري العام واتفاقهما في ثيمة الطبخ.

*التنسيق باستخدام الخط الأميري الصادر حسب رخصة المشاع الإبداعي.

هناك 3 تعليقات:

  1. و انا اللي كنت مفكرة انو العدس الاصفر هو عدس اسمر من دون قشر.......

    ردحذف
  2. تحليل شهي فتح شهيتنا للعدس الأصفر

    ردحذف