الأحد، 16 فبراير 2014

L'Illusion Comique خورخي لويس بورخس

L'Illusion Comique[1]
خورخي لويس بورخس
ترجمة: ياسر عبد الله

خلال سنوات الحمق والعار، تم تطبيق أساليب الدعايات التجارية وآداب البوابين[2] لحكم الجمهورية، هكذا كان هناك تاريخان، الأول ذو طبيعة إجرامية، مُكون من السجون، التعذيب، الدعارة، السرقة، القتل والحرق العَمد؛ الآخر له دور مسرحي، مُكون من الحكايات والقصص الخرافية المُعدة لاستهلاك المُغفلين، وغرض هذا المقال، دراسة أولية لذاك التاريخ الثاني، الذي ربما لا يقل إثارة للاشمئزاز عن الأول[3].
كرهت الديكتاتورية (ادّعت كراهية) الرأسمالية، لكنها، كما في روسيا، نسخت أساليبها، وأملت الأسماء والشعارات على الشعب بنفس المثابرة التي تفرض بها الشركات أمواس الحلاقة، السجائر أو الغسالات عليهم. هذه المثابرة، كما لا يجهل أحد، أدت إلى نتائج عكسية؛ فالإفراط في دُمى الديكتاتور جعل الكثيرون يشمئزون من الديكتاتور، لقد عبرنا من عالم الأفراد إلى العالم العاطفي للرموز؛ لم يكن الصدام بين أحزاب أو منافسين للديكتاتور، لكن بالأحرى كان بين أحزاب ومنافسين لدُمية أو لاسم ... ما هو أكثر  طرافة كان إدارة السياسة تبعًا لقواعد الدراما أو الميلودراما.
في يوم 17 من أكتوبر (تشرين الأول)  1945[4] تم الادعاء إن كولونيل تم إلقاء القبض عليه وخطفه وأن الشعب أنقذه، لم يزعج أحد نفسه بالإعلان عن الخاطفين، أو عن كيفية التعرف على مكانه؛ ولم يكن هناك أية اتهامات قانونية موجهة ضد الاطراف المذنبة المحتملة؛ كذلك لم يتم الكشف عن أسماء المجرمين أو حتى تخمينها.
في غضون عشر سنوات، صار التمثيل أسوأ بكثير، مع الازدراء المتزايد لشكوك الواقعية المبتذلة. في صباح 31 من اغسطس (آب)[5] ادعى الكولونيل، صار ديكتاتور الآن، الاستقالة من الرئاسة؛ ولم يتم إعلان الاستقالة أمام الكونجرس، لكن أمام المكاتب التنفيذية لإتحادات عمالية، ليكون المشهد شعبويًا بجدارة.
لا أحد، حتى قواعد الإتحادات العمالية نفسها، يجهل إن غرض هذه المناورة كان لحث الشعب على ترجيه سحب استقالته، في حالة ما كان هناك أدنى شك في ذلك، قامت عصابات من أنصار الحزب، بمعونة الشرطة، بإغراق المدينة بصور شخصية للديكتاتور وامرأته. بلا حماس، تجمعت الحشود في ساحة مايو[6]، حيث أذاعت محطة الإذاعة الرسمية خطبًا حماسية لكي لا يغادر أحد وقطع موسيقية لتلطيف الضجر، وقبل حلول الليل، أطل الديكتاتور من شرفة البيت الوردي[7].
كان، كما هو متوقع، محتفى به، لكنه نسى أن يتخل عن تخليه، أو ربما لم يفعل ذلك لأن الجميع عرفوا أنه سيفعل ذلك، وسيكون سمجًا لو أصر على تنحيه، لكنه طالب، رغم ذلك، بمذبحة دون تمييز لكل خصومه، واحتفت الحشود بذلك.
لكن لم يحدث شيء في تلك الليلة، عرف الجميع (ربما، ما عدا، الخطيب) أو أحسوا كما لو كان مشهدًا مسرحيًا، حدث نفس الشيء، بدرجة أقل، مع حرق العلم[8]، لقد قيل إن ذلك كان من عمل الكاثوليكيين، تم تصوير العلم المُهان وعرضه، وكأن سارية العلم نفسها لم تكن كافية للعرض، فاختاروا أقل الثقوب تواضعًا في منتصف الرمز، ومن غير المجدي تعديد الأمثلة؛ يمكن للمرء فقط أن يدين إزداوجية قصص النظام السابق الخيالية، التي ما كان لها أن تُصدق وصُدقت.
سيُقال أن افتقار العامة للتعقيد كافيًا لشرح التناقض؛ لكني أعتقد إن التفسير أكثر عمقًا، تحدث كولِريج عن كون "التعطيل الطوعي للإنكار" المكون الأساسي للشِعرية، وقال صامويل جونسون، دفاعًا عن شكسبير، إن المشاهد لتراجيديا لا يصدق إنهم في الأسكندرية في الفصل الأول وفي روما في الفصل الثاني، لكنه يخضع للذة القص الخيالي، بصورة مشابهة، فإن أكاذيب الديكتاتورية لا تُصدق ولا تُكذب، بل تنتمي لخطة وسيطة، غرضها إخفاء أو تبرير الوقائع الحقيرة والفظيعة، إنها تنتمي للمثير للشفقة والحساسية الخرقاء، من المُبهج، إنه لوضوح وأمن الأرجنتينيين، فهم النظام الحالي إن مهمة الحكومة ليست إثارة الشفقة.

-----------------
تم التنسيق باستخدام الخط الأميري الصادر حسب رخصة المشاع الإبداعي.

Jorge Luis Borges, SELECTED NON-FICTIONS, EDITED BY Eliot Weinberger, TRANSLATED BY Esther Allen, Suzanne Jill Levine, and Eliot Weinberger, Viking Penguin, 1999, p 409-410.



[1] "الإيهام المسرحي"، عنوان مسرحية لبيير كورني (1606-1684)، بالفرنسية في الأصل الإسباني.
[2] la litérature pour concierges، بالفرنسية في الأصل.
[3] على الرغم إن المقال مخصص لإبداء استنكار بورخس لأساليب نظام خوان پيرون المبتذلة من وجهة نظره، فإنه لا يذكر پيرون بالاسم ويكتفي بالإشارة إليه مرة ككولونيل ومرة كديكتاتور.
[4] يوم الولاء كما يُعرف في الأرجنتين، ويُوافق ذكرى خروج مظاهرة عمالية ضخمة إلى ساحة مايو للمُطالبة بالإفراج عن الكولونيل خوان پيرون (1895-1974)، الذي كان سجينًا في جزيرة مارتين گارسيا، ويُعد ذلك اليوم بمثابة تأسيسًا للپيرونية.
[5] في 31 أغسطس (آب) 1955، عرض خوان پيرون استقالته من منصبه للحفاظ على السلم الداخلي في الأرجنتين، وأدى ذلك العرض إلى خروج مظاهرات جماهيرية تطالبه بعدم التنحي، ولم يمنع ذلك من الإطاحة به في إنقلاب عسكري، مدعومًا بمعارضة مدنية، سُمي بثورة التحرير في 16 سبتمبر (أيلول) 1955.
[6] Plaza de mayo، من أهم ميادين بيونس آيرس، ولكونه المسرح الرئيس لثورة 25 مايو (آيار) 1810 التي أدت للاستقلال، يُعد المشهد الرئيس لكثير من الفعاليات السياسية في الأرجنتين.
[7] Casa rosada، البيت الوردي مقر السلطة التنفيذية ومكتب الرئيس الأرجنيتيني، ويقع في شرق ساحة مايو.
[8] في مايو (آيار) 1955، بعد مُظاهرة لأنصار الكنيسة الكاثوليكية أنزلت العلم الأرجنتيني من ساريته في ساحة مايو واستبدلته بالعلم البابوي، ظهر وزير الداخلية والزعيم العمالي آنخل برلونگي في حشد من أنصار الپيرونية، ووقف في شُرفة البيت الوردي مُلوحًا ببقايا علم محترق ادّعى أن أنصار الكنيسة الكاثوليكية قاموا بإحراقه. ( “Don’t Cry For Me, Argentina” — The Tumultuous Times of Juan and Evita Peron)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق