‏إظهار الرسائل ذات التسميات كسيات. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات كسيات. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 28 نوفمبر 2014

في تأصيل قطع همزة الكس أم

في تأصيل قطع همزة الكس أم
الكس أم، سبة عربية تسللت لعاميات كثيرة، لا يعرف على وجه الدقة منشأها، لكننا نعثر على سباب شبيه في قصيدة ساخرة كتبها الكحال ابن دانيال حوالي 1293 م في امتداح قرار السلطان المملوكي حسام الدين لاجين بإبطال المُسكرات والمُخدرات، فقال على لسان الشيطان المتحسر على فقدان أتباعه:
فقُلتُ يا إبليس ماذا الذي .... أسال من مقلتك العَبَرة
وما الذي أزعج أشياعك النَو .... كَى وإن كانوا ذوي شرة
فقال بأبي أنت قد وقعت ..... في كُس أختِ ما أكره

الكُس أم سبة من كلمتين، مضاف ومضاف إليه كخبر شبه جملة لمبتدأ محذوف تقديره أحمر، الكُس هو هِن المرأة ونعثر على الكلمة في القاموس المحيط للفيروزأبادي في باب ك س س "وسُمي الكُس كُسًا لأنه يدق دقًا شديدًا" أما الأم فهي الأنثى الأولى وربما الوحيدة، لذا توجه الشتيمة لعضوها الأقدس في مخيل الذكورة العربية.
الكس أم تلفظ على نواحٍ كثيرة، ربما كان إحداها سببًا في تخفيف همزها ومن ثم وقوعه في لَحن العامة، فهي تنطق كس أم بتخفيف الهمزة في باب الكلام العام إن لم تكن سبابًا موجهًا لشخصٍ بعينه، وتنطق بقطع الهمزة مع تشديد النبر على الحروف على نحو كُسْ أُمْ لتشديد السباب لشخصٍ بعينه، وتثنى على نحو كُسِ أُمين في باب الرد على السباب نفسه، على نحو أن يقول أحدهم للآخر كُسْ أُمَك فيرد عليه كُس أُمين أُمَك، لكن بسبب وقوع الهمز وتخفيفه في السباب العام غير الموجه على نحو كس أم الدنيا أو كس أم كدا، لَحَن فيها العامة وخففوا همزها فتحولت إلى كس ٱم ثم إلى كسم.
أما الكَسْم فهو شكل الجسم وقده، والكلمة فصحى ودارجة، ومنها في الدراجة اشتقاق للدلالة على الملابس كنحو فستان مِكَسِم، ونتيجة لاختلاط العامة في رسم الكس أم بتخفيف الهمزة اختلط الرسمان فأصبح الكسم مخلوطًا مع الكس اُم، وهو خلط شنيع لا يليق بفصيح فتنبه رحمك الله.

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

صباح والاحتفاء بالحياة بس أنهي حياة؟!

صباح والاحتفاء بالحياة بس أنهي حياة؟!

الجملة الأكثر ترديدًا النهاردة للتعليق على موت صباح الطبيعي والمنطقي في سنها هي "الاحتفاء بالحياة"، كانت الكلمتين دول هما الثيمة المركزية في مجموعة تعليقات على السوشيال ميديا، سواء على الفيسبوك أو على تويتر، وانتقلت نفس الكلمتين لمقالات مختلفة، تضع الديڤا المتوفية في موقع الشابة المحسودة من المجتمع –اللي هو طبعًا ذكوري ومتخلف- على احتفائها بالحياة وصدم المفاهيم الذكورية إلخ.
طبعًا كل الكلام دا #أمباليه، وخاصة فيما يخص صدم المفاهيم الذكورية، صباح ما كانتش نسوية ولا راديكالية، كانت ست خاضعة لمنطق مجتمعها خضوع كلي وتام، ظهرت طوال الوقت في صورة الأنثى التي تبحث عن ذكر، وكانت في بعض الأحيان، وبخاصة في الستينات –نفتكر مثلًا فيلم الرجل الثاني- رمزًا للأنوثة السهلة المنال، كانت صباح دائمًا وصورتها المُصدرة عبر مجتمع الفرجة، صورتها اللي بتتباع زي أي سلعة إعلامية، هي صورة الأنثى الخاضعة لذكر، كانت لا تصدم المجتمع الذكوري في أي شيء، بل كانت تجسيدًا لمقولة "ضل راجل ولا ضل حيطة".
السخرية من عُمر صباح ما كانتش في الحقيقة بسبب عمرها، كانت بسبب صورة ذهنية ساهمت هي في تشكيلها بعد إفلاسها الفني التام وضياع صوتها بعد فيلمها ليلة بكى فيها القمر، الصورة دي توافقت مع فترة اجترار الذكريات اللي تزامنت مع جمود المجتمع المصري في بداية الحقبة المباركية في بداية 1980ات، كانت صباح وهي يادوبك في الخمسينات من عمرها، رمز للعجوز المتصابية، الرمز دا ساهمت هي فيه شخصيًا لتبقى في مجال الضوء، لتبقى ديڤا ولتبقى في ذهن بعض كتبة الأشياء حافظي الجمل المُعلبة محتفية –لا مؤاخذة- بالحياة.
كانت صباح محتفية بالحياة، الحياة الزائفة اللي كلها قزاز بنور بيملع ع الفاضي، الحياة تحت الضوء الوهمي للنجومية المنتهية، الحياة التي تكرس جمل محفوظة زي البلاستيك المنسوخ، عن الجمال وخفافيش الظلام اللي مش عاوزين الناس تستمتع، الحياة دي اللي بتتكلف 10 آلآف دولار مثلًا في ليلة لمجرد التزين والبهرجة، لأن العطار ما بيصلحش اللي بيهده الزمن، الحياة اللي بتحتفي بيها الست نادية الجندي، المُصرة إنها نجمة الجماهير وهي جاوزت الستين.
بالنسبة للشباب اللي بيرددوا جملة "الاحتفاء بالحياة"، ودول غير كبار السن اللي بيرددوها كصدمة طبيعية لما بيموت فنان من جيلهم وبيحسوا معاه إن عمرها انقضى، فيه نمط خفي للتمسك بالحياة دا، لكن لا هُما بيشوفوه ولا عاوزين يشوفوه، نمط شعبي بتقوم فيه الست الصبح تفتح الكشك وهي متجاوزة السبعين وحيلها مهدود، وبيقوم فيه جوزها يتعكز عليها، نمط مفيهوش وفرة مالية تخليها تسكن شاطئ ولا تروح سپا، نمط آخر متمسك بالحياة ومحتفي بيها عشان ما عندوش غيرها، بالنسبة للسادة اللي بيكرسوا أمثال صباح كمحتفية بالحياة، النمط دا هما غافلين عنه أو بالأصح مش عاوزين يشوفوه، ولو شافوه هيبدأوا يلعنوا ظروفه قبل ما يفهموه، وهيبدأوا ينظروا على صاحباته، لأنهن مش ديڤات ولا نجمات مجتمع، وهتخرج منهم كلمة عابوا ع اللي كانوا بيقولوها على صباح بس بتعبير مختلف "مش ترتاحي يا حاجة وتبطلي شغل"، لكن الحاجة لو قادرة ترتاح زي الست صباح كانت ارتاحت، ولو قادرة تدفع كام ألف عشان تشد كانت شدت وشها، هي برضه عاوزة تحتفي بلامؤاخذة الحياة لكن مش قادرة.
يمكن صباح كانت بتحتفي بالحياة، مش عارف أنهي حياة الحقيقة أصل الحيوات كتير، لكنها كان لازم تموت كديڤا من بدري، مش كإنسان، جملة  "ما هو لسه صباح عايشة" واللي عاب بعض أولاد الوهم والزيف على قائليها وشتموا فيهم بجمل زي "يا ولاد المرة" –وهما بعدها بيقولوا مجتمع ذكوري ومتخلف خد بالك، كأن هما مش ولاد مرة واتولدوا بمعجزة سماوية من أب وحيد الخلية لا له ست ولا صاحبة- ما كانتش موجهة للإنسان، وإلا كانت وجهت لشادية مثلًا، اللي ما حدش يعرف هي بتتجوز ولا تطلق ولا يعرف أي حاجة عن حياتها الشخصية، على عكس صباح اللي كانت حياتها الشخصية سلعة إعلامية تُباع وتشترى، الجملة كانت موجهة لهذا المسخ الإعلامي اللي شبه الزومبي مش للإنسان.

طبعًا دا كلام مش هيفهمه أولاد الزيف والكذب والأفكار المُعلبة، المرتزقة ببيع الكلام المُعاد، هما عندهم نمط تفكير وتفسير جاهز، صباح بتحتفي بالحياة، فيروز جارة القمر، والستينات زمن الفن الجميل والتسعينات نوستالجيا وحاجة زي الفل وأنا وإنت ورقصني يا جدع على جملة ونص.

الأحد، 16 فبراير 2014

كُس أم الكُس أم ولانهاية اللانهايات

كُس أم الكُس أم ولانهاية اللانهايات


يدين بورخس لعلبة بسكويت صفيح بسؤاله الأول عن اللانهاية، على أحد جوانب العلبة كان هناك مشهد ياباني تقليدي، وفي ركن من أركان نفس المشهد يظهر المشهد مرة أخرى، وفي ركن من أركان المشهد الداخلي يظهر المشهد وكهذا دواليك، لا شيء يحد التكرار ومن ثم يكون التقسيم المتوالد لانهائي.

مثل بورخس أدين لتجربة طفولية بولعي باللانهاية ، لكن لا علبة بسكويت أو شيكولاتة أو عرائس روسية متداخلة كانت تجربتي، أدين للمرآة ودكان الحلاق، في طفولتي، كطفل وحيد، كنت أمسك المرآة وأتخيل طفلًا آخر عبر المرآة، وفي دكان الحلاق يجلس الزبون بين مرآتين متقابلتين، وهكذا يتم التضاعف المتوالد إلى ما لانهاية.

في مراهقتي قرأت عن معضلة زينون الإيلي، المعروفة باسم أخيل والسلحفاة، التي يمكن صياغتها بصورة مبسطة إن أسرع فارس في أثينا، أخيل، لن يمكنه اللحاق بسلحفاة، فلو كان أخيل يجري أسرع عشر مرات من السلحفاة، وسبقته السلحفاة بقدر مسافة فستقطع السلحفاة عشر المسافة قبل أن يلحق بها أخيل، ولو قطع أخيل العُشر ستقطع السلحفاة عُشر العُشر، وهكذا إلى ما لانهاية، كانت معضلة زينون تمرينًا فلسفيًا مُمكنًا قبل افتراض ديمقريطس إن هناك كميات لا يمكن تقسيمها، سُميت بالذرات فيما بعد، وقبل أن يتم القمع الأخير لمثل تلك المعضلة الزينونية السُفسطائية على يد الفيلسوف الألماني ليبنتس باكتشاف علم التفاضل والتكامل وافتراض إن القيم المتناهية في الصغر لا بُد وأن تؤول إلى العدم.

يتعامل علم التفاضل والتكامل مع مشكلة اللانهاية من جانبين، جانب التقسيم الأبدي، وجانب التضاعف الأبدي، بعبارة أخرى يتعامل مع علبة البسكويت التي تقسم نفسها داخل نفسها ومع مرآتي الحلاق، جنبًا إلى جنب.

مثل علم التفاضل يلخص القول المتداول "كس أم الكس أم" كل الأشياء ويتعامل مع كل الأشياء، إنه يسب كافة الأشياء، لا تلك المعروفة بالضرورة وحدها، بل يسب الجوهر المكون للأشياء ذاتها، كس أم الكس أم  يسب أشياء الأشياء، الأشياء المتناهية في الصغر وتلك المتناهية في الكبر، والحاوية للكون كله، بافتراض بسيط إن الكس أم لا بد وأن يكون له كس أم، وهكذا دواليك.

قبل أن يتم اكتشاف اللانهاية تم التعبير عنها بأكبر رقم ممكن أن يصل له عد الإنسان، كالألف عند العرب، أو التعبير عن اللانهاية بذكر الكميات متناهية العدد كرمل البحر أو نجوم السماء، أو في التقليد الشفوي الحديث ذكر الأعضاء التناسلية السرية، الكُس جنبًا إلى جنب مع الزُبر، للتعبير عن الكميات التي يعجز المرء عن إحصائها، مثل الكُسمئة والكُس ألف والزُبرمئة والزُبر ألف، وعلى الرغم أن الزُبر يلعب دور الإشارة إلى الكميات الضخمة إلا إنه لا يعد باللانهائية كما الكس، فالزُبر له مبتدء وخبر، أول وآخر، بداية ونهاية، إنه يمتد مثل الكوب المخروطي لكنه امتداد محدود مهما استطال، أما الكس، بثناياه المطوية إلى الداخل مثل صفحات مجلد الأعمال البشرية كلها، وربما كان الكُس التجلي الأم لمعضلة اللانهاية عند الإنسان، لقد اكتشفه الإنسان مبكرًا واعتقد إن المرأة وحدها قادرة على التناسل قبل أن يكتشف دور الإخصاب، وعَبَد القوى الخالقة لدى المرأة نتيجة لهذا الاكتشاف، وذا الكس، نظريًا وتشريحيًا، له حد أو جدار، لكنه أثناء لذة النيك لا يشعر الإنسان بهذا الحد، فهو يغوص ويغوص دون أن يشعر، لقد وقف الإنسان الأولي أمام ذروات المرأة المتكررة موقف الحائر، فاختلاف آلية الأورگازمات لدى الذكر والأنثى يثير الخيال المتعلق بدوامة اللانهاية، وأتى فعل الولادة ليرسخ الاعتقاد  إن هذا الكس منتجًا لغيره ونافذًا على العالم الآخر المكون لروح الأرواح، له بداية لكننا لا نعرف نهايته، نافذًا إلى جوف الجسد، ويمكن الدخول، في المسبات المتداولة، من الكُس والخروج من الفم (تشريحيًا تسمح فتحة الشرج بذلك لكن تلك الحقيقة التشريحية لا تحدث في الخيال الشعبي) فالحمل يحدث في البطن، والمرأة تحوي الجنين داخل الجسد كله في التخيل الأولي قبل اكتشاف الرحم، وربما كان هذا التخيل الأولي أول تكريم للكس، وتكريمًا للكس الوالد لا غيره، من هنا صارت الكس أم سبابًا، فالمكرم لا يُهان ولا يجوز ذكره، إنه ينتمى لذلك العالم الذي لا نعرف عنه شيئًا لكن تصلنا تجلياته.

تتكون المسبة الشائعة من نسبة كس أم إلى مُعرف ما، نحو كس أم فلان أو كس أم كدا أما الكس أم على إطلاق التعريف، فهو مثل أم العالم أو وجود الوجود، مُعّرَف لكنه غير مَعروف، يعد بالمجهول وينبئ عنه، وفكرة الكس أم تعني إن لهذا الكس مبتدئًا دون خبر، كما يفترض إعراب لغة الشتيمة نفسها، يمكن الغوص داخله وتقسيمه إلى ما لانهاية، فلا بد للكس أم من كس أم، ولا بد للكس أم المعرض للجذر الثنائي من كس أم آخر وهكذا دواليك، لكن ماذا عن التضاعف؟! يعد الكس أم بطبيعته المولدة بهذا التضاعف، فلا بد لكل كس أم من أن يلد كس أم آخر، وهكذا تتسع دائرة الكس أم للخارج كما تنطوي للداخل، إنها دائرة كلغز الكون منذ الانفجار العظيم، هل يتسع الكون ودائرته المماثلة لدائرة الكس أم إلى ما لانهاية متناهية في الكبر، أم ينطوي الكون ودائرته المماثلة لدائرة الكس أم إلى ما لانهاية أخرى متناهية في الصغر.


ينتمي نسب الكس أم إلى نفسه إلى تقليد لغوي قديم، ففي اللغات التي تخلو من أفعل التفضيل، كان يتم التفضيل بنسبة الشيء إلى الشيء مثل ملك الملوك ونشيد الأناشيد، فالكس أم المنسوب إلى الكس أم، هو كس الأكساس وسؤال الأسئلة، أو هو المُولد لجميع المولدات، هكذا تسطع العبارة فجأة فتقتل أي حوار ممكن، كس أم الكس أم، عبارة تُدخل المرء في تيه اللانهايات، في دوامة التأمل الطفولي لعلبة البسكويت التي تكرر نفسها، ومرآتي الحلاق اللتين لا يكفان عن التضاعف، يتأمل المرء العبارة بلمح البصر فيشعر بتلك الرهبة، رهبة التكرار اللانهائي، رهبة المتناهي في الكبر وغموض المتناهي في الصغر، لذلك تصبح كس أم الكس أم، ولأنها تطعن في لانهاية اللانهايات، شتيمة الشتائم ومسبة المسبات.