‏إظهار الرسائل ذات التسميات خراء. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات خراء. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

صباح والاحتفاء بالحياة بس أنهي حياة؟!

صباح والاحتفاء بالحياة بس أنهي حياة؟!

الجملة الأكثر ترديدًا النهاردة للتعليق على موت صباح الطبيعي والمنطقي في سنها هي "الاحتفاء بالحياة"، كانت الكلمتين دول هما الثيمة المركزية في مجموعة تعليقات على السوشيال ميديا، سواء على الفيسبوك أو على تويتر، وانتقلت نفس الكلمتين لمقالات مختلفة، تضع الديڤا المتوفية في موقع الشابة المحسودة من المجتمع –اللي هو طبعًا ذكوري ومتخلف- على احتفائها بالحياة وصدم المفاهيم الذكورية إلخ.
طبعًا كل الكلام دا #أمباليه، وخاصة فيما يخص صدم المفاهيم الذكورية، صباح ما كانتش نسوية ولا راديكالية، كانت ست خاضعة لمنطق مجتمعها خضوع كلي وتام، ظهرت طوال الوقت في صورة الأنثى التي تبحث عن ذكر، وكانت في بعض الأحيان، وبخاصة في الستينات –نفتكر مثلًا فيلم الرجل الثاني- رمزًا للأنوثة السهلة المنال، كانت صباح دائمًا وصورتها المُصدرة عبر مجتمع الفرجة، صورتها اللي بتتباع زي أي سلعة إعلامية، هي صورة الأنثى الخاضعة لذكر، كانت لا تصدم المجتمع الذكوري في أي شيء، بل كانت تجسيدًا لمقولة "ضل راجل ولا ضل حيطة".
السخرية من عُمر صباح ما كانتش في الحقيقة بسبب عمرها، كانت بسبب صورة ذهنية ساهمت هي في تشكيلها بعد إفلاسها الفني التام وضياع صوتها بعد فيلمها ليلة بكى فيها القمر، الصورة دي توافقت مع فترة اجترار الذكريات اللي تزامنت مع جمود المجتمع المصري في بداية الحقبة المباركية في بداية 1980ات، كانت صباح وهي يادوبك في الخمسينات من عمرها، رمز للعجوز المتصابية، الرمز دا ساهمت هي فيه شخصيًا لتبقى في مجال الضوء، لتبقى ديڤا ولتبقى في ذهن بعض كتبة الأشياء حافظي الجمل المُعلبة محتفية –لا مؤاخذة- بالحياة.
كانت صباح محتفية بالحياة، الحياة الزائفة اللي كلها قزاز بنور بيملع ع الفاضي، الحياة تحت الضوء الوهمي للنجومية المنتهية، الحياة التي تكرس جمل محفوظة زي البلاستيك المنسوخ، عن الجمال وخفافيش الظلام اللي مش عاوزين الناس تستمتع، الحياة دي اللي بتتكلف 10 آلآف دولار مثلًا في ليلة لمجرد التزين والبهرجة، لأن العطار ما بيصلحش اللي بيهده الزمن، الحياة اللي بتحتفي بيها الست نادية الجندي، المُصرة إنها نجمة الجماهير وهي جاوزت الستين.
بالنسبة للشباب اللي بيرددوا جملة "الاحتفاء بالحياة"، ودول غير كبار السن اللي بيرددوها كصدمة طبيعية لما بيموت فنان من جيلهم وبيحسوا معاه إن عمرها انقضى، فيه نمط خفي للتمسك بالحياة دا، لكن لا هُما بيشوفوه ولا عاوزين يشوفوه، نمط شعبي بتقوم فيه الست الصبح تفتح الكشك وهي متجاوزة السبعين وحيلها مهدود، وبيقوم فيه جوزها يتعكز عليها، نمط مفيهوش وفرة مالية تخليها تسكن شاطئ ولا تروح سپا، نمط آخر متمسك بالحياة ومحتفي بيها عشان ما عندوش غيرها، بالنسبة للسادة اللي بيكرسوا أمثال صباح كمحتفية بالحياة، النمط دا هما غافلين عنه أو بالأصح مش عاوزين يشوفوه، ولو شافوه هيبدأوا يلعنوا ظروفه قبل ما يفهموه، وهيبدأوا ينظروا على صاحباته، لأنهن مش ديڤات ولا نجمات مجتمع، وهتخرج منهم كلمة عابوا ع اللي كانوا بيقولوها على صباح بس بتعبير مختلف "مش ترتاحي يا حاجة وتبطلي شغل"، لكن الحاجة لو قادرة ترتاح زي الست صباح كانت ارتاحت، ولو قادرة تدفع كام ألف عشان تشد كانت شدت وشها، هي برضه عاوزة تحتفي بلامؤاخذة الحياة لكن مش قادرة.
يمكن صباح كانت بتحتفي بالحياة، مش عارف أنهي حياة الحقيقة أصل الحيوات كتير، لكنها كان لازم تموت كديڤا من بدري، مش كإنسان، جملة  "ما هو لسه صباح عايشة" واللي عاب بعض أولاد الوهم والزيف على قائليها وشتموا فيهم بجمل زي "يا ولاد المرة" –وهما بعدها بيقولوا مجتمع ذكوري ومتخلف خد بالك، كأن هما مش ولاد مرة واتولدوا بمعجزة سماوية من أب وحيد الخلية لا له ست ولا صاحبة- ما كانتش موجهة للإنسان، وإلا كانت وجهت لشادية مثلًا، اللي ما حدش يعرف هي بتتجوز ولا تطلق ولا يعرف أي حاجة عن حياتها الشخصية، على عكس صباح اللي كانت حياتها الشخصية سلعة إعلامية تُباع وتشترى، الجملة كانت موجهة لهذا المسخ الإعلامي اللي شبه الزومبي مش للإنسان.

طبعًا دا كلام مش هيفهمه أولاد الزيف والكذب والأفكار المُعلبة، المرتزقة ببيع الكلام المُعاد، هما عندهم نمط تفكير وتفسير جاهز، صباح بتحتفي بالحياة، فيروز جارة القمر، والستينات زمن الفن الجميل والتسعينات نوستالجيا وحاجة زي الفل وأنا وإنت ورقصني يا جدع على جملة ونص.

السبت، 22 نوفمبر 2014

صاحب الرسالة المارشالجي

صاحب الرسالة المارشالجي

على مدار عمري تعاملت كتير مع ناس مصابين بوهم الرسالة، ما بين السياسة والفن والأدب والصعلكة، مش قليل لما تلاقي شخص قرر فجأة إنه صاحب رسالة وهذه الرسالة مُكلف بتبليغها للناس، الحالة دي بتتعدد أطيافها ودرجاتها ما بين الهوس الكامل بالرسالة ودا غالبًا بيوصل لعنبر الأنبياء في الخانكة، العنبر اللي بيحجزوا فيه مدعي النبوة والمهدية وخلافه، وبين هوس خفيف يُصاب به الأفندية وغيرهم في دول ما بعد الاستعمار.
المعتاد في صاحب الرسالة، إنه بيبقى صاحب ريالة، بس مش شايف ريالته، هو متخيل إنه صاحب رؤية محورية كونية ستغير وجه ووجع الشعوب، وما على الشعب غير إنه يتبعه بصفته حامل الوعي، الحالة الأشهر هي حالة أفندية مقاهي وسط البلد، اللي بمجرد ما يبتدي يحبو في قراية النظرية بيقرر إنه طليعة وإنه قيادة جماهيرية، وإنه مكلف، لأن لينين زانقه زنقة روسي في خانة اليَك في كتاب ما العمل، بإنه ينقل للجماهير وعيها، وبيتدي يتصرف ويتحرك من ثوابت فكرية، هي في الحقيقة ريالة نازلة على صدره، لكن هو شايفها رسالة عظمى.

الحقيقة الحالة لا تقتصر فقط على كونك مثقف أو أفندي أو لأ، في دول ما بعد الاستعمار زي مصر، وخاصة لأن الاستعمار عمل على التفرقة ما بين المتعلمين، اللي هيبقوا خدم وحشم جهاز الدولة البيروقراطي السلطوي الجسم الغريب عن الشعب زيه زي الاستعمار، وبين السواد الأعظم للشعب اللي ظل لأسباب عديدة ومتشابكة غير متعلم، فيكفي إنك تكون بتفك الخط حتى يتم اعتبارك صاحب رسالة، ويفوضك الفلاحين زي محمد أفندي في فيلم الأرض عشان تروح تتفاوض باسمهم، شايفينك صاحب رسالة بينما إنت في الحقيقة صاحب ريالة نزلت أول ما شفت رجل الخواجاية في الفندق زي ما حصل في الفيلم #ما_علينا.

مؤخرًا لاحظت انتشار الحالة دي على السوشيال ميديا، المُتخمة على تمة عينها بالمتعلمين، اللي بيعرفوا يفكوا الخط يعني، وخاصة من المارشالجية، المارشالجي بشكل رئيسي مؤمن بإنه صاحب رسالة، وإن المارشال بقلظ أبو الخدود نحنح الله صوته نفسه صاحب الرسالة الأعظم المُكلف بحماية البلاد، بلغه هو شخصيًا بالرسالة دي، فيقوم المارشالجي من دول أول ما تزنقه في أي نقاش، أو بمعنى أصح تبين إنه صاحب غسالة مش رسالة، يبتدي يفكرك برسالته الخالدة، "إنتم ما تعرفوش المؤامرات على البلد"، وهو لأنه تابع، لو ما كانش ظبوط أو بيدعي إنه ظبوط يعني، بيعتبر إن الظبابيط هما أصحاب الرسالة الأَولى منه بشرف الدفاع عنها، فتلاقيه بيعتبرهم فوق البشر، وفاكر السباليتات اللي على الأكتاف أجنحة ملايكة، هو ما بيناقشش هو بيفكرك بالرسالة المُكلف بيها، رسالة الحماية والواجب والعين والحاجب، أي حاجة تلاقيه فتح لك علبة الردود وطلع لك جملة "دا واجب الظابط إنه يقتلك ويقتل أمك عشان يحميك".

وهم الرسالة عند المارشالجية بيتفاقم أكتر من وهم رسالة أستاذية العالم عند أسلافهم الإخوان، لأن وهم رسالة أستاذية العالم في الأول والاخر وهم انفتاحي وتبشيري يملك بارانويا عظمة أكتر ما يملك بارانويا اضطهاد لكن وهم رسالة حمايتك من نفسك هو بارانويا اضطهاد، العالم كله بيحاربنا وهو بصفته مارشالجي تلقي وحيه من خدود القائد ونحنحة ذبذبات صوته، هو الوحيد العارف بالمؤامرات دي كلها، اللي بتبدأ من كوريا الشمالية وما بتنتهيش عند النرويج.

المارشالجي صاحب الرسالة، اللي هي في الحقيقة ريالة، واثق جدًا من رسالته، زي أي مريض في عنبر الأنبياء في مستشفى الخانكة ما هو متأكد من إدعائه النبوة أو المهدية، يمكن كل مريض بالفاشية عنده نفس الوهم #ما_علينا


ربنا يبعدنا عن أصحاب الرسالات والريالات.

الأحد، 14 سبتمبر 2014

عن القهر والانتحار والخوف



عن القهر والانتحار والخوف
ياسر عبد الله
(تويتات مجمعة ومرتبة)
ما بقاش ينفع تدخل الحيط، أينما تكونوا يدرككم القهر، لو تعبت ابعد شوية وارجع، حياتك مش هتبقى أحلى لو بطلت كلام في السياسة عشان مش هي دي المشكلة، مش المشكلة إن فيه ناس بتهري في السياسة، المشكلة إن الساسة بيتحكموا في حياة ملايين من غير حساب وإنت من ضمن الملايين دول، لو ما سمعتش سياسة على تويتر، وإنت راكب ميكروباص هتشوف القهر بالصدفة لمجرد إن أمين شرطة قرفان بالليل من وقفة الكمين وله سلطة على حياتك قرر يقهرك.
ممكن تنسى منظومة القهر، لكنها هتقتحم حياتك وهتفكرك، فهتلاقي ميول انتحارية ظهرت، ودا طبيعي، الميول الانتحارية طبيعية في منظومة قهر لكن مش هي الحل.
بدل ما تؤذي نفسك عشان اكتشفت منظومة القهر وإنت ماشي بالصدفة، استرد حقك من اللي أذوك وبيؤذوك ويؤذوا غيرك لمجرد إن لهم سلطة يعملوا كدا.
ما حدش فينا بيختار يكتئب، ما حدش فينا اختار يبقى عنده مشاكل نفسية، لكن دي مش جريمة حد فينا برضهن كلنا اتولدنا عشان نلف زي التيران في الساقية، كلنا عاوزين نبتسم للحياة ونشوفها وردية، لكن الحياة الوردية مش هتيجي بدهان صندوق الزبالة وتخيله فازة ورد، الحياة الوردية هتيجي بنسف الزبالة من أساسها، ما حدش فينا مبسوط بإن جواه طاقة كراهية، كُتب علينا وهو كُره لنا، نفسنا في طاقة محبة، لكن المحبة الزائفة اللي بترضى بالظلم وتزيفه وتزينه ما تلزمناش.
كلنا مظاليم من أول ما اتولدنا، لا اخترنا أب ولا أم ولا فقر ولا بلد ولا بيت ولا دراسة ولا دين، وفوجئنا أول ما فتحنا عينينا إننا بنتحاسب على دا وحساسيتنا تجاه الظلم مختلفة، فيه ناس زيي بتختار تشتم وتزعق وتتنرفز وفيه ناس احتمالها أكبر، ما تحاسبوش الناس على مزاجهم قبل ما تعرفوهم.
فضفضوا لبعض وانسوا لبعض، اللي بيفضفض لك في لحظة بعبعة مش عاوز يسمع البعبعة اللي قالها تاني، اسمعها واهتم بيها وافهمه وطبطب عليه بس ما تفكروش.
احنا عايشين حياتنا خايفين، بنبوس واحنا خايفين، بنحب واحنا خايفين، بننام واحنا خايفين نصحى ما نلاقيش الملاليم اللي بنقبضها، فمش طالبة نقعد نستجوب بعض ونخاف من بعض.

*تم التنسيق باستخدام الخط الأميري.

الأربعاء، 13 مارس 2013

الثورة بين المنبر والمبولة


الثورة بين المنبر والمبولة
المنبر والمبولة :
ثلاث مشاهد لا تفصلها إلا سويعات قليلة تحدث في مكان واحد في يوم واحد، الأربعاء 9 فبراير 2011، أثناء اعتصام التحرير الأول (النفي المطلق لخراء الثورة كلها).
مشهد أول : على منصة الإذاعة الشعبية أمام مقهى وادي النيل يمسك الرفيق سامح عبود بمكبر الصوت ليلقِ كلمة مرتجلة عن عدم كفاية الاعتصام كفعل ثوري وضرورة تطويره عبر لجان شعبية منتشرة في كل الجمهورية تمارس السلطة المباشرة، تحت المنصة يقاطعه شخص، بعنف يصرخ قائلاً "مفيش حاجة هتحصل غير لما مبارك .. يمشي يمشي يمشي"، ويبدأ في ارتجال هتاف، لا أفهم سر عداء الرجل المفاجئ تجاه سامح، أسكته بصوتٍ عالٍ، بعد انتهاء المشهد أدرك المسألة، لقد جرح سامح بكلمته عن عدم كفاية الفعل كرامته الثورية، لا يتصور الرجل أن للاعتصام (الثورة بحسب التعبير المتداول وقتها) خراء ومساوئ.
مشهد ثاني: على منصة التحرير الرئيسة، منصة هارديز كما يعرفها الجميع، تقف فتاة وتصرخ بصوتٍ عالٍ "الميدان دا اتقتل فيه ناس مش جايين ترقصوا وتغنوا فيه"، أسمعها وأعلق داخلي بجملة إيما غولدمان "إن لم أستطع الرقص فتلك ليست ثورتي"، لكن تلك الفتاة لم تسمعني ولم تهتم، كل ما هم قولها وعقلها أن تنفي أن للثورة فعل آخر غير خلق المثال، تعلو الفتاة المنصة لتعلي من قيمة المثال، المثال هو النفي المطلق للخراء والسوء والفضلات، المثال لا يحتمل أن يكون به أشياء مبتذلة عادية كالرقص والغناء والسمر، لا يحتمل سوى الصعود على المنبر وتكريس المثال ونفي الخراء.
مشهد ثالث: في الجزيرة الوسطى أمام الكعكة الحجرية، حمامات مرتجلة مصنوعة من خشب ربما كان من بقايا أخشاب المنصة، لا يقع بعيدًا عن المنصات/المنابر التي تعلي من قيمة المثال وتنفي الخراء، في الشكل الأولي للدولة يبدأ البشر ببناء المسكن الخيمة والمنبر المنصة والحمام مقر تجمع الخراء.
في المسجد/الكنيسة/المعبد يعتلي الخطيب/الأب/الحبر المنبر ليخطب عن المثال، عن الفضيلة ونفي الخطيئة والخراء، في أحد أطراف المسجد/الكنيسة/المعبد يقع الحمام، النفي المطلق للفضيلة والمنتج الأساسي للخراء، وبينهما يجلس جموع المصلين/ الشعب.
في الميدان يعتلي الخطباء المنصة/المنبر ليتحدثوا عن الثورة المثال التي لا تقع فيها الخطيئة ولا تنتج الخراء، في طرف الميدان يصنع المعتصمون الحمامات ليمارسوا فيها الخراء، بين المنبر والمبولة تقع خيام الشعب الثائر.
الكيتش يفسر الأشياء:
في لحظة تتقارب السماء والأرض، يقع المنبر في المبولة، يتجادل ابن ستالين الزعيم المفدى، القائد الأسطورة والضرورة، بخصوص الخراء في حمامات المعسكرات النازية، يقول له الضابط الألماني أن عليه أن يمسح خراءه، فيسقط عالم المثال، يلقي ابن ستالين بنفسه على الأسلاك الشائكة المكهربة ويموت (ميلان كونديرا – خفة الوجود التي لاتُحتمل).
لا يقتل ابن ستالين نفسه عند وقوعه في الأسر، يقتل نفسه عند اضطراره بالقوة للتعرف على خرائه الخاص، المثال يجرحه الخراء، والنظريات التي تعتمد على تجريد المثال تجرده من كل خراء ممكن، يكتب كونديرا "كلمة كيتش في الأساس هي نفي مطلق للخراء" ويكتب أيضًا في مقال حول كلماته المفضلة حول حاجة الإنسان الكيتش للتعرف على نفسه في مرآة الكذب المجملة، حاجته لتجريد نفسه عن من حوله ونفي أي خراء محتمل.
صدمة الإنسان الأول حين اكتشف خراءه، حين اكتشف أن التفاحة التي أخرجته من فردوسه تتحول إلى قطعة بنية اسطوانية رخوة، وحين اكتشف إن الطعام الشهي يتحول إلى خراء داخله، الإنسان هو المنتج الوحيد للخراء الإنساني، لذا ينفيه دائمًا ويسعى إلى دفنه مثل القطط، وينفي أن يكون هذا الشيء صدر عنه، لا ينتج الخراء الإنساني إلا عن الإنسان، الطعام جميل المنظر ما لم يمسه فم بشري.
المناضل المثال لا يذهب إلى المبولة:
في الأسبوع الثاني من اعتصام التحرير الأول يخرج علينا صاحب الفيل في المنديل قائلاً "الميدان طبل وزمر وعلاقات جنسية كاملة"، أتوقف عند الطبل والزمر لأجد المنطق المحرك نفسه لخطيبة منصة هارديز، لا تصلح ثورة المثال بطبل وزمر ورقص.
النفي اللاحق لعبارة صاحب حاحا وتفاحة يقع في نفي الفعل نفسه، لا يمارس الثوار الجنس، وليس لديهم أعضاء جنسية تنتج الخراء، لنتخيل المناضل المثال غيفارا بعد خطبة عصماء يجلس على قاعدة الحمام ليخري أو يقف على المبولة مشلحًا بنطاله يتبول، لنتخيل الزعيم الكاريزما جمال عبد الناصر بعد خطبة تأميم القناة مصابًا بالاسهال، أو بعد خطبة هنحارب هنحارب خالعًا ملابسه، عاريًا ينادي على أم خالد "ارفعي رجليكي يا مزة"، الجنس مثل الخراء فعل سري لا يصلح تخيل الثائر المثالي وهو يمارسه، لا عجب أننا نكشف في الجنس عن أعضاء لا نكشفها إلا أثناء فعل الخراء أو أثناء نفي الخراء والاغتسال منه.
الثائر المثال كنفي مطلق للخراء:
بعد التنحي وإنجاز مهمة المثال كان علينا الاتحاد جميعًا بالمثال، من هنا تم توزيع بنود المثال، "ابدأ بنفسك .. احلف .. مش هأرمي زبالة تاني في الشارع .. مش هأعاكس .. مش .. مش"، أقسم أن أصبح مثالًا، فالثائر الحق لا يتبول ولا يعاكس، فالثائر المثال لا يملك أعضاءً جنسية تخرج فضلات وخراء.
تسقط الثورة في فخ مثالها، في رغبة البشر المكونين لجسدها المتخيل في شيطنة الآخر ونفي خرائهم الشخصي، تتحول إلى فعل داخلي، ابدأ بنفسك لا تشكل مشكلة إلا حين تتحول إلى فعلٍ ضمائري سيسقط في فخ التدين المؤسسي، طالما لم تنجز ثورة إصلاح ديني تعتبر إن الضمير شأن شخصي وخاص مثله مثل الخراء والجنس، لكي تبدأ بنفسك عليك أن تتعالى على خرائك، لا أن تعالجه، النفي المطلق للشيء يعني دفنه وإنكاره، ينكر الثائر المثال كل مساوئ فعله، ليس بالميدان تحرش هناك إرهاب جنسي من فلول النظام، يجيب الثائر المثال، لم يدخن أي معتصم حشيش داخل الخيم، يجيب الثائر المثال، لا يمارس الثائر الجنس خارج الزواج التقليدي، يقسم الثائر المثال، لا يشرب الثائر الخمر، (فالخمر منتجة للقيء الأخ التوأم للخراء)، يسقط الثائر المثال في فخ المثال، ومن أجل المثال ينفي كل ما عداه، يضع الواقع على سرير بروكرست اللص الأغريقي الذي كان يقطع أرجل الناس إن لم تناسب سريره، على الواقع أن يكون مثالي، فالمجتمع عظيم ويكفي إزاحة مبارك الخراء لكي نعيش في الفردوس، والشعب طيب ولا يجب سوى إزاحة الإخوان ليخرج المصريون أجمل ما فيهم بعد تطهرهم من خراء الإخوان.
يوم التاسع من فبراير 2011 لم أكن قد عرفت بعد مصطلح  "ميكروفاشية" المستخدم من قبل دولوز وغواتاري، لكني حين عدت إلى منزلي كتبت تأملاتي حول فاشية محتملة، ستنشأ من رغبة الثائرين الرومانسيين في نفي خرائهم ودفنه.

على الثورة الاعتراف بخرائها لتخرج من فخ فاشية المثال.