الأحد، 22 ديسمبر 2013

ليلة الموت

لَيلةُ المَوْتِ[1]

أمشي وأمشي
أصاحب نفسي وأصحبها
ويهمس لي عابر سبيل " أغمض عينيك
تحت أهدابك شموس تحترق"[2]
فأخفضُ بصري
لكني
أعاودُ الصُراخ
"باخاف مُوْت من الاسفلت"
الأسفلت الأسود، أعمدةُ الإنارة واللمعة الحديدية لقضيبي السكة،
عائدون من الحُسِين
مسحت أمي خدها في مقصورة سيدنا ذات الضوء الأخضر
مسحت على رأسي، مسحت على رأسها
ورأسي رأس طفلٍ صغيرٍ مُرتعب
"لا تقطعوا عضوي الصغير عند فاطمة النبوية"
ثم نرجعُ إلى البيت القديم ورائحة الخشب، بير السلم، بئر الصرف، وقباب نحاسية صغيرة مرصوصة فوق قلل الفخار ومواسير الزَهْر
شمسُ الشتاء ورائحة السمك
والخشب الأخضر في محطة منشية الصدر
تلك ليلة الموت
في الصباح تموت حبيبتي الأولى
في الصباح تموت خالتي
أبكي، رغم أني كنت أفر دائمًا هاربًا منها، حين تقبض على جسدي الصغير في حضنها.




[1] مقطع من نص طويل بعنوان "الخوف من الأسفلت"
[2] "Shut your eyes
There are suns beneath your lids" Louis MacNeice, Perseus

السبت، 21 ديسمبر 2013

القرية المجاورة لفرانتس كافكا (نص واحد وأربع ترجمات)

القرية المجاورة


فرانتس كافكا
ترجمة: ياسر عبد الله

·        الترجمة الأولى (لغة عربية):
اعتاد جدي أن يقول :" الحياة قصيرة بصورة مذهلة، إنها تزحم رأسي الآن بذكرياتها حتى أنني بالكاد أتصور كيف يقرر شاب، مثلاً، ركوب فرسه حتى القرية المجاورة دون خوف – بغض النظر عن الحوادث الأليمة – فحتى مدة الحياة العادية المليئة بالسعادة لا تكفي مثل هذه الرحلة."

·        الترجمة الثانية (عامية مصرية):
كان جدي بيقول دايمًا إن الحياة قصيرة جدًا، لدرجة إنه لما بيرجع يفكر فيها بيستغرب إزاي واحد ممكن يركب حصانه وينوي يسافر من قرية لقرية جنبها، دا حتى الحياة العادية الحلوة، اللي من غير مشاكل أو بلاوي، ما تكفيش الواحد يوصل ويكمل رحلته.

·        الترجمة الثالثة (شعر حر):
اعتاد جدي حديثًا
- ولا أدري إن كان صدقًا
أم أن جدي اعتاد الكذب-
كان يقول "يا بُني
الحياة قصيرة لدرجة تثير العجب
وحين تنتابني أفكار الحياة
وتزاحم عقلي الذكريات والحوادث وصور الحياة
أعجبُ من فارسٍ
يسرج فرسًا وينتوي السفر
من قرية إلى قرية مجاورة
فالحياة الحلوة يا بُني
حتى دون أمراض أو مصائب أو خطب جلل
لا تكفي فارسًا لاتمام رحلته
الحياة الحلوة يا ولدي
لا تكفي فارسًا للوصول إلى قرية مجاورة"

·        الترجمة الرابعة (موال صعيدي أعرج):
كان جدي دايمًا يقول
وكان له في الحياة ألف قول وقول
أنا عشت الدنيا التقيتها قصيرة
قستها بعرضها وقستها بالطول
وبالطول وبالعرض بتجيني أفكار
تملاني زي ما بين السما والأرض
وتزاحم على قلبي واتعجب
كيف يسايس فارس حصانه ويركبه
ويترك بلده وناسه ومذهبه
وينوي يروح بلد جار بلد داره ومركبه
من غير ما يخاف ولا يهاب ولا يرهب
دا حتى الحياة وهي حلوة وصحيحة
وبدون ما تصيبك علة وبدون ما تجيك فضيحة
حتى وهي مليحة  برضه قصيرة ما بتكفيش
تطلع بفرسك وتوصل من جيهة لجيهة.



[1] نشرت أقصوصة "القرية المجاورة" في المجموع القصصي (طبيب القرية) الذي قام كافكا بنشره في عام 1919، تنتمي الأقصوصة إلى النصوص القصيرة جدًا أو المنمنمات التي ميزت مجموع كافكا القصصي الأول (تأملات) المنشور في عام 1913، وتميز بها كافكا كقاص قصير متمكن، وهي الصورة التي أحب أن ينشر نصوصه بها وهو حي، على عكس الروايات التي نشرت كلها بعد موته وبإشراف ماكس برود، ويرجع الفضل لماكس برود في تغييب وتجهيل الرأي العام السائد عن كافكا وتصويره كروائي كابوسي لا كقاص قصير متمكن من ألعابه، ومن رواد المنمنمات أو القصص القصيرة جدًا، يرى بورخس في مقاله عن كافكا وأسلافه إن الأقصوصة تردد صدى معضلة أخيل والسلحفاة، ويراها عبد الغفار مكاوي في (ثورة الشعر الحديث) مشابهة لقصيدة لوركا (أنشوة الفارس) التي تردد جملة "إلى قرطبة أبدًا لن أصل".
* تم التنسيق باستخدام الخط الأميري الصادر حسب رخصة المشاع الإبداعي.

الأربعاء، 18 ديسمبر 2013

مرثية لعابر سبيل

مرثية لعابر سبيل



المرة الأولى التي رأيتُه فيها وافقتْ يوم عيد ميلادي الثلاثين، وذكرى محمد محمود الأولى، (لم يكن السيسي قد عامَ بعدُ على سطح بحر الثَريد كالزَبَد)، التاسع عشر من نوفمبر؛ في ظهيرة يوم خريفي دافئ، جلسَ في الطاولة المجاورة لي في مقهى الحرية، جلسنا محاصرين بين عمودين فيهما مرآتان صدئتان، كان يقوم ويقعد كثيرًا كثيرًا فظننته يرسم نفسه، ربما هو شيء ما في هيئته أو أوراق الرسم التي كان يحملها، حدست إنه فنان ولا بد، من رسمه لنفسه الذي تخيلته ساعتها ومن قيامه وقعوده، كتبت نصًا قصيرًا يشابه الهايكو
عن يساري يرسمُ نفسَهُ
عن يمينِه أكتبَ نفسي
وعن يميني ترسمنا المرآة 
ما أجمل أن يهديك عابرُ سبيلِ نصًا، ما أجمل أن يمنحك درويشٌ تائهٌ لحظةَ كشفٍ لم تكن لتحصل عليها من دونه، يتحدث حكماء الزِن عن لحظة الاستنارة الناتجة عن إدراك حل الكُوَان بحدسك، كان مرآه مشابه للحظة الاستنارة تلك، وعلى مدار الشهر التالي، شهر اشتباكات ذكرى محمد محمود وسيمون بوليڨار والاتحادية، كنت أصدفه كثيرًا وأسمعُ، دون استماعٍ، أحاديثه العابرة مع جرسونات المقاهي واعتذاره عن عدم دفعه الفوري "حق المشاريب".
مضى الشتاء ولم أره، وفي نوبة أرقٍ ربيعية مصحوبة بهوسٍ طفيف قررت إن ذاتي قد تضخمت وصارت تحتل حيز عالمي الخاص وعليّ كسرها، قررت إهداء كتب لأصدقاء افتراضيين، أعرفهم ولا أعرفهم، لأتقاسم معهم ذاتي المتضخمة، فالذات تتضخم حتى تأكل روح الإنسان، كان الكتاب الأول (الفردوس المفقود)، يومها جلسنا سويًا، عمر، الذي صار صديقًا بعد ذلك الإهداء وأنا، نحكي على أنغام أغدًا ألقاك، وأخبرني عمر اسم عابر السبيل وحكايته، بهنسي، فنان تشكيلي، يعاني من آثار آلام الروح مثلنا، ربما قال لي عمر، لست أذكر الآن، أن أبناء بهنسي ماتوا وماتت زوجته، ربما حدثني عمر، لكني لا أذكر.
في اليوم التالي وفي غفوة وجيزة حلمتُ بحكيم شرقي، لم أر له وجهًا لكنه أملي علي حكمة "لتستعد كارماتك عليك أن تكسر لوحة دعائك"، يومها حملت معي كتابًا قديمًا لأهديه لبهنسي، قلت لنفسي إن ظهر بهنسي فالكتاب كتابه، وظهر أمامي لكني خجلتُ، فعلى عكس قناعي الشخصي الذي أرتديه لأصد عني تحرشات الفضوليين المقتحمين عالمي الخاص، أنا شخص خجول ومنطوي لا أستطيعُ اقتحامَ الآخرين أو بدءَ حديثٍ ما، لم أهدِ الكتاب لأحد حتى الآن، ولم أهدِه لبهنسي رغم أني، ليلتها، تخيلتُ عينيه تبتسم لعينيّ.
منذ ذلك الحين لم أرَه، حصلت على كارماتي في اليوم التالي، حب سريع، غامر رغم سرعته وفترته القصيرة، من فتاة لا تدري إلى الآن إنها كانت عاقبتي وأُمنيتي، مر الربيعُ والصيفُ والخريفُ، ومثل كل أنباء الغرباء صادفني خبر مَوْت بهنسي، شريدًا درويشًا وحيدًا في موجة البرد القارص، مثل الخواجة لامبو الحزين مات بهنسي، غالبتُ دمعتي لعابرِ السبيلِ الذي أهداني لحظتيّ كشف واستنارة، غالبتُ دمعتي وأنا لا أبكي على الغرباء، بعد أن نشّف الأقربون دمعي، غالبتُ دمعتي فغَلَبَتني وغَلَّبَتني لأني أحببت هذا الدرويش الغريب.
ربما يأتيني الحكيم الشرقي الليلة في غفوة أو في صحوة ليقول لي "لا تحرموا عابري السبيل هداياكم فعما قريب يأخذهم الموت". 

الأحد، 15 ديسمبر 2013

انطباعات عن العِمارة گي ديبور

انطباعات عن العِمارة
ترجمة: ياسر عبد الله

1
مشكلة العِمارة ليست في رؤيتها من الخارج أو في الحياة داخلها، بل في العلاقة الجدلية بين ما هو داخلي-خارجي، على مستوى العِمران (شوارع-منازل) وعلى مستوى المنزل (داخلي-خارجي).
2
تحدد كل واجهات المنزل "مساحة فارغة" وظيفتها اللعب على التناقض فتح - غلق.
3
اقم مدينة كاملة لتمارس الحب فيها مع فتاة وحيدة لبضعة أيام.
4
يقلب مفهوم "حجرة الشارع" (عند هـ . أُ.)[1] التفرقة الوهمية ما بين الأوساط المفتوحة والمغلقة، فالوسط المغلق ذاته يصب في الوسط المفتوح (الذي بدوره يرسم حدود الأوساط المغلقة).

أمستردام، 29 مايو (أيار) – 2 يونيو (حزيران) 1959



أدين باكتشاف النص إلى الصديق حسين الحاج.
ترجمة عن الإنگليزية.
* تم تنسيق النص باستخدام الخط الأميري الصادر حسب رخصة المشاع الإبداعي.
** في النص العربي تقوم الگاف الفارسية مقام حرف الـ G أو الجيم القاهرية.
[1] هار أودِيانز Har Oudejans:  معماري هولندي انضم للأممية المواقفية في عام 1959 وطُرد في العام التالي لموافقته على بناء كنيسة.