الأحد، 24 يناير 2016

بلا دية ... بلا ثمن

بلا دية ... بلا ثمن

"الشعب يريد إسقاط النظام"
لكن النظام لا يسقط
إنه يستمر ويستمر ويستمر
يجدد دماءَه بدماء ضحاياه، ودماء لم يقتلها.
يغير النظام وجوهه التي رحلت أو ماتت أو توارت في الظل، ويُسكن البعض الآخر مساكن المعارضة القديمة، ليلعب لعبة وجه العملة وقفاها.
النظام يعيد تقسيم دوائر المجتمع، يعيد بناء الحواجز، ويسمح بمساحات بينية ضئيلة، تشبه الشقوق بين أحجار الأسوار، ليتحرك عبرها الباقون على قيد الحياة خارج الزنازين.
منذ نصف قرنٍ وبضع سنوات، غضب النظام على اليسار، فدجن البعض وأسكن الكثير فسيح زنازينه، كان الرفاق يجلدون والرفاق الآخرون يكتبون شعرًا وفنًا ومسرحًا وأدبًا بالجملة، بعد أعوام سيتغنى كل اليسار بقدرته على العطاء (الثوري) حتى في لحظات المحن.
النظام يسجن ويُسكن، يسجن البعض في زنازين الذين ظُلِموا ويُسكن أصدقاءهم مساكن الذين ظَلَموا، ليبكِ أصدقاء الأولين عليهم ويختصرون (الثورة) في الدفاع عن أصحابهم.
النظام يحول الثورة إلى أدب غير ضار، ويفتح الأبواب ليشكل فقاعات الثقافة المُجملة للقمع، في المقابل يموت آخرون بلا دية أو ثمن، يموتون دون أن يبكيهم أحد.
بعد خمس سنوات يصير معارفنا السابقون وجوه داخل النظام، تتغير الكروش الوارمة الجالسة على مقاعد المؤسسات ليصير فوقها أصدقاء الأمس، بعد 10 سنوات سيتغنى الجميع بالمنجز الثقافي، المنجز الذي يعني نجاح النظام في تحويل الضغط المتراكم إلى فن وديع كقطٍ مخصي في ليالي الشتاء.
النظام يحول الثورة إلى علبة مناديل، إلى مفرش بألوان العلم، إلى بطانية وطنية، إلى كارت الشهداء بجنيه، إلى رواية بست سِلّر، إلى مشروع خيري، النظام يحول الثورة إلى مجرد تسمية رومانطيقية وذكرى يتطوح فيها الدروايش على مواقع الشبكات الاجتماعية، النظام لا يخشى تلك الأشياء كلها.

خارج حدود النظام يوجد آخرون بلا وجوه، لا دية لهم ولا ثمن ولا ذكر، رأيناهم لحظات عابرة ثم اختفوا، يحيون خارج قواعد النظام، ربما يقلبون النظام على رؤوس الجميع في يومٍ قريب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق