‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصر زمان. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات مصر زمان. إظهار كافة الرسائل

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

عن الردح وقاموسه، في نقد مقال وليد فخري ومنهجه الاستسهالي

عن الردح وقاموسه
في نقد مقال وليد فخري ومنهجه الاستسهالي
ياسر عبد الله

بتاريخ 2  ديسمبر (كانون الأول) 2014 نشر موقع رصيف22 مقالًا يحمل عنوانًا طموحًا، (قاموس المشاجرات الكلامية الشعبية في مصر)، وهو طموح ربما يتجاوز حجم المحتوى نفسه وقدرة كاتبه وليد فخري، فالقاموس لغة هو "البَحْرُ أو أَبْعَد مَوضِعٍ فيه غَورًا، وجرى استخدام الكلمة، بعد أن جعلها الفيروزأبادي عنوانًا لكتابه (القاموس المحيط)، استخدامًا مجازيًا للدلالة على كل معجم أحاط ببحر اللغة، وهو ما يتجاوز بالطبع قدرة مقال سريع، يُقرأ على طريقة "اقرا واجري"، أما عن المشاجرات الكلامية الشعبية التي قرر الكاتب أن يحيط بقاموسها، فهي واسعة ومتشعبة ويدخل فيها أبوابٌ كُثُر، منها القافية والهجاء بالموال والتلاسن وغير ذلك، ولا تقف عند الردح الذي قرر الكاتب الابتداء به، ربما لأغراض سينمائية تثير خيالات زرعها الحسنان، حسن الصيفي وحسن الإمام، في أفلامهما التجارية.
ينتمي المقال ومنهجه لموضة سائرة، تقليعة تحويل مشاركات المنتديات وكلام المقاهي و"ما قال لي وقلت له" إلى مقالات خفيفة، مقالات تتحدث عن العادات والتقاليد الشعبية بنفس منطق اكتشاف مراهقي المدارس الثانوية لها، وإن كان ذلك مقبولًا كحكي مصاطب وحواديت مسلية فليس مقبولًا كمقالات تمتلك سُلطة ما على تأسيس مرجعية مستقبلية محتملة. تعتمد تلك المقالات على ترديد حكايات سائرة دون سند، أو إغفال سندها وتحويره إن وجد، وتخلط ما بين الشفاهي والمدون خلطًا شنيعًا تحت إدعاءات جمة من بينها الإدعاء الأشهر والأكذب عن عدم قياسية العامية المصرية وبالتالي عدم قياسية التقاليد الشعبية وكونها خارج التسجيل، وهو إدعاء جاهل، فالعادات والتقاليد والتعابير المصرية مسجلة في محاولات عديدة وقديمة، إما كتآليف ساخرة جمع فيها أصحابها طائفة من الأقوال والمشاهدات مثلما فعل علي بن سودون البشبغاوي (المتوفي سنة 1464م) في كتابه (نزهة النفوس ومُضحك العبوس)، أو كتب جمع فيها أصحابها الأمثال بغرض الدراسة العلمية، يذكر في هذا الباب جهود مستشرقين مثل لويس بوركهاردت وكتابه عن الأمثال المصرية المنشور عام 1818، ولحق بتلك الجهود الاستشراقية جهود مصرية في القرن العشرين نذكر منها كتاب أحمد تيمور عن الأمثال الشعبية ومعجمه الكبير للعامية المصرية وكتاب أحمد أمين عن العادات والتقاليد والتعابير المصرية، الذي ينقل منه كاتب المقال دون ذكره كمرجع.
يبدأ المقال بفقرة تهيئ متلقيه لما سيسمعه، فقرة من الردح السينمائي، ثم يردفها بقوله "متابعو الدراما المصرية كثيراً ما يسمعون العبارات السابقة وما شابهها في مشاهد مشاجرات النسوة"، وهو ما يحدد منهجه ومرجعيته، الدراما المصرية كمرجع للعادات والتقاليد، وهو مرجع زائف، لأن الدراما المصرية دأبت على تنميط الأحياء البلدية، حسب الاسم المستخدم ما قبل أربعينات القرن العشرين، لتقديمها لمتفرج فرنجي أو متفرنج من البرجوزاية المدينية التي سكنت الأحياء الكولونيالية الحديثة مثل مصر الجديدة والزمالك، وهو تنميط لحقه، فيما بعد قيام نظام يوليو 1952، تنميط آخر مختلف، قوامه تخلف العهد البائد، تمثل ذلك في الحبرة واليشمك والملاءة كملابس للحارة المصرية، وجدعنة ولاد البلد ودمهم الحامي، وهي كلها صفات تعتمد منهج التنميط الكاريكاتيري، بالنفخ في ثيمات موجودة وسط أشياء أُخر وإلقاء الضوء المبالغ عليها حتى تحتل المشهد بأسره، كان هذا ولا زال النهج المتبع في الدراما المصرية، التي يبدو إن الكاتب اختارها مرجعية له، وهي مرجعية مليئة بالمهاترات والخلط التاريخي، وخاصة عند مؤلفين معاصرين مثل أسامة أنور عكاشة، وملحماته الطويلة كليالي الحلمية، التي يضع فيها مقاهي عشرينات القرن العشرين بعوالمها ومطربيها وتخوتها في أربعينات القرن نفسه.
ثم يبدأ الكاتب في سرد مدخلاته دون الرجوع لأي من كتابات السابقين عليه، ودون ذكرهم لو  رجع إليهم مثلما أغفل ذكر كتاب أحمد أمين حين ذكر "فرش الملاية"، ويدمج الكاتب المنقول المتداول بتخميناته الخاصة، فالمنقول المتداول عن تعبير "يا عمر" وربطه بالفاطميين لم يثبت عليه دليل ما، وما ذكره الكاتب هو تفسير يجهل طبيعة العصر الفاطمي نفسه وطبيعة المذهب الإسماعيلي كمذهب باطني، وطبيعة القاهرة الفاطمية التي بُنيت كحصن للطبقة الحاكمة لم يختلطوا فيه كثيرًا بالعامة الذين سكنوا مصر العتيقة كالفسطاط والقطائع، ولم يجبروا العامة على اتباع مذهبهم الإسماعيلي، وهو ما أفاض في شرحه محمد كامل حسين في كتابه عن أدب مصر الفاطمية، ثم يرتكب كاتب المقال خطأً دالًا فيذكر المَرَا بالألف بدلًا من التاء المربوطة، وهو خطأ يدل على مدى علم الكاتب بقواعد الاشتقاق والتخفيف في العربية وعامياتها، فمن المعروف أن المرأة تخفف كمَرة وهو ما يعني خلو اللفظ المخفف من أي ألف مد، إلا إذا كانت ثقافة الكاتب إسبانية وقرر أن ألف المد هي علامة التأنيث مثل maestro y maestra، ثم يذكر مثلًا شعبيًا عن القحبة، وهي غير العاهرة، التي ترازيك وتجيبه فيك دون أدنى علاقة بما يحكي عنه، ولا أدرى هل قرر الكاتب جمع أمثال المشاجرات أم تعبيراتها أم الحكي عنها أم ماذا.
غير أن الكاتب لم يكتفِ بكل تلك النقائص، فقرر أن يزيد الطين بلة ويختم كمن طبخت طبيخًا فاستحسنته فتبلته بتراب، فاتحفنا، ربنا يكرمه، بتأثيل مبتدع ما أنزلت المعاجم به من سلطان للفظة شوباش، قرر حضرته أن شوباش هي تماثيل مصرية قديمة كانت توضع في قبر الميت، وهو منهج في التأثيل اللغوي المتداول في منتديات الإنترنت، يرد كل لفظة عامية لأية لفظة مصرية قديمة محتملة، علمًا بأننا إلى الآن لا ندرى على وجه اليقين حقيقة اللفظ عند المصريين القدماء وذلك معلوم عند دارسي المصريات لا عند رواد وكاتبي المنتديات، وإذا كان كاتب المقال ينتمي لهذا المنهج التأثيلي الحلمنتيشي فالأولى أن يعرف إن تلك التماثيل المعنية التي تدفن مع الميت لا تحمل أصلًا اسم شوباشي بل هي الأوشابتي Ushabti ، وهو ما كان سيعرفه كاتب المقال ببحث بسيط على محرك بحث، بكبسة زر كما يقولون.
بكبسة زر كان سيعرف الكثير لو أنه تابع مجهودات الباحثين في تأثيل الكلمات المصرية، فيذكر معجم تيمور الكبير الكلمة ويردها إلى شادباش العثمانية التي تعني تهاني، فالكلمة لم تستخدم في بدئها للردح، بل كان لها استخدامًا أصيلًا تحور بعد ذلك، لو كان كاتب المقال كلف خاطره لعرف أن شوباش تستخدم في محل "سمع هس هنحيي العريس" ونظرًا لانتشار الكلمة في وسط الآلاتية والعوالم، والعالمة هي المغنية التي تغني للحريم في الأفراح وهي غير الغازية التي ترقص في الشوارع والموالد على رغم الخلط الشائع بين الكلمتين، تم استخدامها فيما بعد في الأحياء الشعبية في المشاجرات الكلامية في محل "سمع هس هابهدل اللي قدامي"، لكن الاستخدام الأصلي لم يزل موجودًا ومسجلًا ومشتق منه ألفاظًا في دارجات مناطق مصرية عديدة منها أسوان، التي ذكر أحد الأصدقاء عند مناقشة المقال معه، أن كلمة "هنشوبش على العريس" تستخدم لتحية العريس بكلمات مسجوعة تبدأ ب"الورد كان شوك لكن من عرق النبي فتح".
هذا وقد أغفل المقال أشياء كثيرة لا زالت حية في ذاكرة ردح النسوان، مثل الوصف بالإبرة للدلالة على المرأة النحيفة، يوم كانت السمنة دليل عز، حسبما يذكر أحمد أمين، وربما تم إردافها بيا مصدية لزيادة الإهانة، وتعبير "يا مرة يا مُكنسة" الذي كان يستخدم كثيرًا في الاسكندرية، والمُكنسة هي المقشة المستخدمة في كنس التراب.  ربما كانت الحسنة الوحيدة التي اكتسبها كاتب المقال، الذي مزج ما بين الحكايات المتداولة واتبع منهج "ما قال لي وقلت له"، هو إثارة أعصابي، كأحد المهتمين بتأصيل التقليد الشعبي وتأثيل كلماته، للرد عليه وفضح هذا المنهج الاستسهالي للحديث عن تقاليد الشعوب، فهو مقال من مقالات "خُد واجري" و"ما قال لي وقلت له" المتداولة عن تقاليد وعادات وتعابير مصرية حية ولم تمت رغم تناسيها.
4 ديسمبر 2014

*تم التنسيق باستخدم الخط الأميري الصادر حسب نسخة المُشاع الإبداعي

تحديث بتاريخ 5 ديسمبر 2014: رفض موقع رصيف 22 نشر الرد وتحججت إدارة الموقع بسببين أولهما عدم قدرتهم على نشر نقد مقال كمقال وثانيهما –وهو السبب الحقيقي على الأرجح- إن مقال السيد وليد فكري المغلوط تجاوزت عدد زياراته ال 200 ألف قارئ، حيث أن من الواضح إن مثل هذه المواقع تفضل الترافيك على الحقيقة.

الخميس، 4 ديسمبر 2014

قطط الليل اللي من غير ديل

قطط الليل اللي من غير ديل
تعبير شعبي :
كانت أمي كلما أغمضنا عيوننا وتأهبنا إلى النوم تتحقق من وضع الغطاء حول أجسادنا الصغار، سواء كان الغطاء كوڤرتة الصيف أو بطانية الشتاء، ثم تودعنا إلى عالم الأحلام بعبارة أثيرة عندها "تصبحوا على خير تصبحوا قطط من غير ديل"، وكنت أتخيل نفسي كل ليلة مستيقظًا في صُبحي كقط أزعر، ولم أدرِ وقتها هل تعمدت أمي هذا الإرداف لمجرد غواية السجع أم أنها كعادتها لم تسل نفسها عن السبب، مكتفية بالرواية عن مجاهيل دعتهم "الناس اللي قبلنا".
ذكريات عائلية:
عبر السنين التالية تواترت إلى مسامعي حكايات كثيرة عن قطط الليل، بداية بالنهي عن ضرب قط الليل خشية أن يصيبك بدعائه أو يكون ملاكًا يطلب الصدقة فتنهره فينهرك عند ربه فُتفشخ فشخة المشدودة بين حبلين في فيلم فجر الإسلام، أو يكون شيطانًا، فالقطط حيوانات ماكرة منها الملائكة ومنها الشياطين ومنها ما دون ذلك؛ غير أن أغرب الحكايات لم تصلني من فرع والدتي من شجرة عائلتنا، ذلك الفرع الحامل لتراث القاهرة القديمة بحكم سكنهم الدرب الأحمر منذ القرن التاسع عشر، بل وصلني عن طريق فرعي الآخر، فرع والدي، حامل المزيج من حكايات الصعيد وحكايات ضواحي المدينة في بداية منشئها في أوائل القرن العشرين.
حكاية:
عن والدي عن أمه أنها حكت عن جارة لهم كانت تسعى كل صباح لتبحث عن ضاربي القطط بالليل، لأن ابنًا من ابنيها التوأمين صحا من نومه مضروبًا على رأسه بشبشب، كان تسعى كل صباح باحثة عن ضاربي القطط حتى غاب ابنٌ من ابنيها، صحت من النوم فلم تجده فسعت تبحث في كل دروب وحارات عزبة المسلمين في مصر الجديدة في ثلاثينات القرن العشرين عن قاتل قط الأمس فهو قاتل ابنها، ولم تجده وبعد أيام لم يجدوها هي نفسها.
حدث هذا في أيام بعيدة، ويحلف والدي بحلفانات المسلمين وغير المسلمين ويجزم بصحة الحكاية كما سمعها من والدته، ويحلف كذلك أنه، حتى اليوم، لا يعرفون مكان أم التوأمين أو مكان ابنها.

الخميس، 27 نوفمبر 2014

ذكرى متروهات مضت

ذكرى متروهات مضت

الحكاية دي بقى لها 12 سنة إلا شهرين وكام يوم، في معرض الكتاب 2003 كنت لسه في السنة النهائية لدراستي الجامعية ولأني كنت بأدرس في دولة تانية بتقع داخل حدود جمهورية مصر العربية اسمها دولة الصعيد كانت فيه تغييرات كتير بتحصل في مصر العاصمة من غير ما توصلني، خرجت من بيتنا زي العادة وركبت مترو الدراسة-مطرية، تسمية مترو دي مش معروفة قوي ومش مستخدمة برة سكان مصر الجديدة القوادم، مش بنستخدم كلمة تروماي أو ترام إلا على الترام نفسه، المترو هو ال strasse bahn  زي ما بيقولوا عليه الألمان، كان لونه أخضر ومكون من تلات عربيات، قلوا بعد كدا لاتنين، وكراسيه من جوا على صورة تشبه ديوان القطر، جوزين متقابلين بيقعد عليهم 4 أفراد، والتروماي كان لونه أبيض ومن عربيتين وكراسيه عبارة عن دكتين قصاد بعض، كان فيه مترو الدراسة – مطرية، وزي تسميته هو بيبدأ من ميدان المطرية يوصل الدرّاسة قدام مشيخة الأزهر، مسافة كبيرة جدًا كأنه بيلف سور القاهرة القديم من برة، أيام ما كان السلطان الغوري يطلع من ميدان الرميلة يوصل لبركة الحاج عشان يستجم، وكان فيه تروماي رقمه 35 بيمشي نفس السكة، وكان توصيلتي الوحيدة لمعرض الكتاب ولسه نفق المشاة اللي بيوصل لمحطة المترو والتروماي موجود وما اتشالش، كان وسيلة مواصلات آمنة، ما بيضطرنيش اعدي طريق صلاح سالم على رجلي، المهم إنه في معرض الكتاب سنة 2003 اكتشفت إنه اتلغى، اكتشفت دا إمتى؟ وأنا راكبه، والكمساري بيقول عند محطة قبل الاستاد "الآخر يا حضرات"، نزلت ساعتها ومشيت لغاية معرض الكتاب، ومن سنتها لغاية معرض الكتاب 2013 مفيش مواصلة مباشرة ومعروفة، يمكن فيه ميكروباصات جديدة من بتوع النقل الجماعي اللي بيطلعوا كل يوم دول أنا ما اعرفهاش، توصل ما بين ميدان المحكمة اللي أنا ساكن جنبه وبين معرض الكتاب، 10 معارض كتاب، عشان 2011 اتلغى، وأنا أركب من قدام بيتي لغاية جامعة عين شمس وأنزل أتمشى شارع الوحدة الأفريقية عشان ما عنديش عربية ومش بأركب تاكسي وبأوفر ال15 جنيه دول أجيب بيهم كتب من جناح سور الأزبكية جوا المعرض.
الحكاية الجاية دي ممكن تكون غريبة على مواليد التسعينات، رغم إنها حصلت في طفولتهم، في منتصف التسعينات بدأ التدمير الممنهج لحاجات كتير، الدولة كانت بتشيل إيدها من كل حاجة تقريبًا لتحتفظ بسلطات ثلاثة هي الجيش، رأس الهرم، والشرطة والقضاء، وتفضل كحكم بين الطبقات بيحكم لصاحب القوة والسلطة، مشروع الخصخصة اللي اتباع فيه القطاع العام، كان بيكمل على حاجات كتير زي محلات الكساء الشعبي –كان اسمها كدا- والمجمعات الاستهلاكية وخلافه، وكمان بدأ يدمر شبكة المواصلات عشان يحل محلها بعد كدا ميكروباصات النقل الجماعي في بداية الألفينات، وابتدا التدمير دا بالمترو.
مترو مصر الجديدة مش هو أول ترام في مصر العاصمة، سبقه ترام شبرا اللي اتعمل 1897، وكانت شركته بلجيكية وكان بيدور حوالين نفسه لدرجة الناس طلعت عليه "دوخة البلجيكي"، لكن مترو مصر الجديدة كان شيء حيوي جدًا في فترة بناء ضاحية جديدة بعيدة، أنا شفت إعلان عن اللونابارك في مجلة المقتطف سنة 1913، بيعلن إن ضاحية مصر الجديدة لم تعد بعيدة وممكن تركب المترو، كمان مترو مصر الجديدة هو سبب تسمية مترو الأنفاق باسمه دا، مش غريبة إن مترو الأنفاق الخط الأول مش ماشي في أنفاق أصلًا غير في وصلة الخمس محطات بين الشهداء وسعد زغلول؟ الغرابة دي هتنحل لما تعرف إن دي الوصلة بين خطين قطارات كانوا موجودين قبل كدا، فاكر فيلم دايمًا معاك بتاع محمد فوزي وفاتن حمامة لما كان عطشجي؟ دا كان خط بيوصل للمرج من محطة رمسيس وكان فيه زيه بيوصل حلوان من باب اللوق، جا مشروع مترو الأنفاق وجا مبارك عمل وصلة بين الخطين عشان يدعي إنجاز، ولأن كان فيه مترو بالفعل سموا المترو التاني مترو الأنفاق.
حياتي كلها كان لها علاقة بالمترو دا، مترو الشارع على رأي الألمان، كان هو المواصلة الوحيدة تقريبًا اللي بتوصلني قدام بيتي بالظبط، كان فيه كام أتوبيس كمان بيروحوا المطار بس أنا كنت باحب المترو، كانت والدتي بتركبنا المترو لغاية ميدان رمسيس وقت ما كان فيه رمسيس والنافورة، عشان نركب لبيت جدتي في الدرب الأحمر، المترو وقتها كان بيوصل لميدان عبد المنعم رياض، وبعدين في 1997 حصلت حادثة قدام المتحف المصري، اتقال إنها إرهاب وحد رمى قزازة مولوتوف على أتوبيس سياحي، فاتلغى الموقف بتاع الأتوبيسات اللي كان في ميدان التحرير وودوه عبد المنعم رياض مكان موقف المترو، عبد المنعم رياض دلوقت 3 حارات، هما عدد خطوط مترو مصر الجديدة، عبد العزيز فهمي اللي بيعدي قدام بيتي، والنزهة والميرغني، تخيل كدا مواصلة بتاخدك من قدام بيتك توصلك للنيل؟ دي بتسهل لك حاجات كتير سواء كنت مراهق أو كنت بنت، أهلك مش هيقلقوا عليك عشان فيه مترو هيجيبك قدام البيت.
خط عبد العزيز فهمي دا بيمشي، بعد ما لغوا وصلة عبد المنعم رياض، من محطة باب الحديد اللي لغاية دلوقت عليها يافطة باسم كوبري الليمون لغاية ميدان الألف مسكن،  فكنت أثناء دراستي في دولة الصعيد الشقيقة أرجع بقطر يوصل الصبح فآخد المترو لغاية البيت، وعشان المترو كان واسع كنت أركن شنطي ورا أول كرسي وأقعد مقابل لها ويفضل عيني عليها، لأن المترو مريح وبيتيح دا، عكس الميكروباص اللي مش بيعدي قدام بيتي أصلًا، ولو ركبته السواق يقعد يشمئنط من الشنط، آخر مرة شفت فيها مترو معدي قدام بيتي كان من حوالي سنتين، ما أعرفش راح فين فعلًا.
الخطين التانيين النزهة والميرغني، واحد بيمشي من باب الحديد لغاية مساكن شيراتون وواحد لغاية مسرح التلفزيون، لما جم يعملوا نفق الثورة عملوا لخط الميرغني كوبري علوي، الخط دا اتفك حاليًا والنزهة مش شغال، مشكلتهم مش مشكلة تطوير، الكوبري العلوي اتكلف كتير بالمناسبة وبعدين المترو اتلغى، أزمة مترو الميرغني إنه بيعدي في شارع الميرغني قدام قصر الرئاسة، والنزهة بيعدي من جنب القصر في شار ع الأهرام، مشكلة المتروهين دول إنهم بيعدوا بالرعاع جنب قصر السلطان والأسباب الأمنية لازم توقفهم.
قلت لك إن الأتوبيسات كانت بتوصل لميدان التحرير؟ طيب قلت لك إن كان فيه موقف في باب اللوق؟ ما قلتلكش، كان فيه موقف هناك اتعمل دلوقت ساحة انتظار سيارات وموجود قدام قهوة الحرية، كان بيوصل له أتوبيس رقم 940، فكنت في أول سنين الجامعة أركب من قدام البيت أوصل وسط البلد على طول، أشتري كتب وأقعد على أي قهوة وبعدين أروح، كل دا انتهى، الأتوبيس رجع بقى يقف في عبد المنعم رياض وما بقاش ييجي أصلًا، تخيل إني لغاية دلوقت ما باعرفش أروح الدرّاسة مباشرة؟ 12 سنة لو عُزت أروح الدراسة لازم أركب مواصلتين، لما باحب أنزل السيدة عائشة مثلًا بامشي لغاية نفق الثورة، ممكن بتوع المعلومات والخرايط يحسبوا كام كيلو متر من ميدان المحكمة لنفق الثورة، عشان أستنى ميكروباص رايح السيدة عائشة، يكون معدي وفاضي وقابل يركب راكب، الرحلة دي بأعملها وأنا رايح المقطم، وفي أول شهرين من 2014 كنت بأعملها كل خميس، كل دا عشان فيه شخص ما قرر إن الفضاء العام ما ينفعش يمشي فيه مترو، لو كان موجود كنت ركبت للدراسة ولقيت ألف مواصلة للمقطم، لأن الميكروباصات بتنقي مواقفها تبعًا لمصالح الناس ولو لقت موقف مترو أو ترام أكيد هتروح تركن جنبه تحمل.
بالنسبة للبعض كل الكلام دا كلام فارغ ومالوش لازمة، الحقيقة إن مصر الجديدة، وأعني مصر الجديدة اللي تبع قسم مصر الجديدة مش كمالتها اللي تبع قسم النزهة، مصر الجديدة اللي اتبنى معظمها قبل 1952 مش منطقة كلها برجوازية، مصر الجديدة منطقة فيها منطقة شعبية من اللي بتشوفها في الأفلام، محمد خان صور فيها فيلم أحلام هند وكاميليا، في مبنى اسمه البُلُك، المنطقة دي بتتسمى العزبة القديمة أو عزبة المسلمين لأن مصر الجديدة كان أغلبها خواجات وأهل البلد كانت أحياءهم بتتسمى وقتها بأسماء زي حي العرب في بورسعيد أو عزبة المسلمين بمعنى أهل البلد ولاد العرب، المنطقة دي كان بيحدها سور زمان شبه سور القاهرة، كان فيه غرام استشراقي كدا عند البلجيك والفلمنك يعملوا المنطقة بتصميم مملوكي على أندلسي، بداية من شارع بيروت لغاية شارع أبو بكر الصديق بتنتهي الكوربة والڤيلات وتبدأ مصر الجديدة الشعبية اللي كان بيسكنها موظفين وعمال وبوابين، فيها تجمع كبير نوبي على سبيل المثال، المترو هو وسيلة المواصلات للسكان دول، وللعمال والموظفين اللي شغالين هناك، السكان الشعبين هما روح المنطقة الحقيقي اللي ما هاجروش منها لتلات أجيال على الأقل زي عيلتي كدا، بعد ما جا جدي من الصعيد في 1918، واشتغل خدام وقهوجي وبواب في المنطقة، حتى تحقيق الشخصية بتاعه الموجود عندنا مكتوب فيه طباخ، السكان دول لازم يبقى لهم مواصلة سهلة ومتوفرة، دا المستعمر الأوروبي صاحب الامتيازات نفسه عمل حسابهم يا أخي.
الحاجة التانية اللي بتتقال إن دا مترو حلزونة وقديم ومالوش لزمة، وطبعًا دي جمل ما بتسمعهاش غير في مصر العزيزة أم الدنيا، معروف يعني إن القديم بيتجدد مش بيتلغي، بالنسبة لمترو الدراسة اللي اتلغى عشان يوسعوا طريق صلاح سالم كان فيه حل بسيط، شيل القضبان وركب عجل، آه كان ممكن تركيب عجل كاوتش والاحتفاظ بخط الكهربا العلوي، دا اختراع كان موجود في مصر وكان ماشي منه واحد على كوبري الجامعة، اسمه التروللي باص، ماشي على عجل كاوتش زي بتاع الباص بس بياخد الكهربا من السنجة فوق، وكان ممكن حتى تعمله دورين، عشان سكينة تقول لعبد العال "اركب الكهربا من فوق يا ولا عشان النساوين ما تعاكسكش"، وساعتها كان ممكن العربيات تمشي عادي في نفس خط التروللي باص، لأن مش هيبقى فيه قضبان تعيق حركتها.
ما حدش بيفتكر المواصلات غير اللي بيضطر يركبها، المترو مش مجرد ذكريات وحنين ونوستالجيا وأيوة بقى يا بيبسي رجعتي فؤاد المهندس بعد ما مات، المترو مواصلة كانت بتوصل لغاية جامعة عين شمس، كانت بتوصل طلاب وعمال وموظفين ما يقدروش يركبوا تاكسي ويدفعوا 15-20 جنيه في المشوار، وفيه مناطق الدولة بتنساها عشان مافيا النقل الجماعي وشركات الميكروباص أو لواءات المرور اللي كلنا عارفين إنهم بيستثمروا وقت فراغهم وسلطتهم ويشغلوا سواقين ميكروباص عندهم، فيه مناطق كاملة زي ما بين ميدان روكسي وميدان الألف مسكن، ما بيعديش فيها خطوط أتوبيسات غير خط أو اتنين، ووصلتها الوحيدة كانت المترو.

المترو مش بس ذكريات وشوية حديد، دا مواصلة وفضاء عام، فضاء عام بيتحرم على محدود الدخل اللي حالته مستورة، وبتنحصر حرية التنقل فيه شوية بشوية للقادرين على شراء عربيات أو ركوب تاكسيات.

الاثنين، 1 سبتمبر 2014

ذكر الراقصين الذكور (الخولات) في القرن التاسع عشر

ذكر الراقصين الذكور (الخولات) في القرن التاسع عشر

كارت بوستال من أوائل القرن العشرين بالعربية والفرنسية لراقص (خول) نقلًا عن @so2rate 

"ويتظاهر كثير من القاهريين أو يقنعون بأن رقص الغوازي لا يعيبه سوى أنه من النساء اللائي يجب ألا يعرضن أنفسهن هكذا، فيستخدمون رجالًا يحلون محلهن، غير أن هؤلاء وهم مصريون مسلمون، وجلهم من الشبان، ويسمون (خولات)[1]، قليلون جدًا، وإذ كان هؤلاء يقومون بدور النساء فهم يرقصون رقص الغوازي تمامًا، كما أنهم يستعملون الصنوج، ولكنهم، كأنهم يدفعون فكرة كونهم من النساء حقًا، يرتدون ما يناسب حرفتهم غير الطبيعية، إذ هم يجمعون بين صفتي الذكر والأنثى، فيلبسون على الأخص سترة ضيقة وحزامًا وجبة، والأنوثة تغلب على هيئتهم العامة، فهم يرسلون شعورهم ويضفرونها، وينتفون شعر الوجه، ويتكحلون ويتخضبون، وكثيرًا ما ينتقبون عندما يسيرون في الشوارع في غير  وقت الرقص، وهم لا يفعلون ذلك خجلًا، وإنما يفعلونه تقليدًا للنساء فقط، وكثيرًا ما يُفضلون على الغوازي، فيستخدمون للرقص في الحفلات الخاصة، وكثيرًا ما يرقصون أيضًا في الحفلات العامة.
ويوجد في القاهرة طبقة أخرى من الراقصين الذكور يشبهون (الخولات) في الرقص والملبس والهيئة العامة، ويميزهم تسمية مختلفة (چنك)، وهي تعبير تركي ذو معنى دارج يعبر  تمامًا عن خلقهم، وهم على العموم من اليهود والأرمن والأروام والأتراك"

المصريون المحدثون، عاداتهم وشمائلهم
نقله إلى العربية: عدلي طاهر نور



[1] ويُطلق على الفرد من تلك الطبقة أيضًا لفظ (غايش). إ.و.لين