الخميس، 27 نوفمبر 2014

ذكرى متروهات مضت

ذكرى متروهات مضت

الحكاية دي بقى لها 12 سنة إلا شهرين وكام يوم، في معرض الكتاب 2003 كنت لسه في السنة النهائية لدراستي الجامعية ولأني كنت بأدرس في دولة تانية بتقع داخل حدود جمهورية مصر العربية اسمها دولة الصعيد كانت فيه تغييرات كتير بتحصل في مصر العاصمة من غير ما توصلني، خرجت من بيتنا زي العادة وركبت مترو الدراسة-مطرية، تسمية مترو دي مش معروفة قوي ومش مستخدمة برة سكان مصر الجديدة القوادم، مش بنستخدم كلمة تروماي أو ترام إلا على الترام نفسه، المترو هو ال strasse bahn  زي ما بيقولوا عليه الألمان، كان لونه أخضر ومكون من تلات عربيات، قلوا بعد كدا لاتنين، وكراسيه من جوا على صورة تشبه ديوان القطر، جوزين متقابلين بيقعد عليهم 4 أفراد، والتروماي كان لونه أبيض ومن عربيتين وكراسيه عبارة عن دكتين قصاد بعض، كان فيه مترو الدراسة – مطرية، وزي تسميته هو بيبدأ من ميدان المطرية يوصل الدرّاسة قدام مشيخة الأزهر، مسافة كبيرة جدًا كأنه بيلف سور القاهرة القديم من برة، أيام ما كان السلطان الغوري يطلع من ميدان الرميلة يوصل لبركة الحاج عشان يستجم، وكان فيه تروماي رقمه 35 بيمشي نفس السكة، وكان توصيلتي الوحيدة لمعرض الكتاب ولسه نفق المشاة اللي بيوصل لمحطة المترو والتروماي موجود وما اتشالش، كان وسيلة مواصلات آمنة، ما بيضطرنيش اعدي طريق صلاح سالم على رجلي، المهم إنه في معرض الكتاب سنة 2003 اكتشفت إنه اتلغى، اكتشفت دا إمتى؟ وأنا راكبه، والكمساري بيقول عند محطة قبل الاستاد "الآخر يا حضرات"، نزلت ساعتها ومشيت لغاية معرض الكتاب، ومن سنتها لغاية معرض الكتاب 2013 مفيش مواصلة مباشرة ومعروفة، يمكن فيه ميكروباصات جديدة من بتوع النقل الجماعي اللي بيطلعوا كل يوم دول أنا ما اعرفهاش، توصل ما بين ميدان المحكمة اللي أنا ساكن جنبه وبين معرض الكتاب، 10 معارض كتاب، عشان 2011 اتلغى، وأنا أركب من قدام بيتي لغاية جامعة عين شمس وأنزل أتمشى شارع الوحدة الأفريقية عشان ما عنديش عربية ومش بأركب تاكسي وبأوفر ال15 جنيه دول أجيب بيهم كتب من جناح سور الأزبكية جوا المعرض.
الحكاية الجاية دي ممكن تكون غريبة على مواليد التسعينات، رغم إنها حصلت في طفولتهم، في منتصف التسعينات بدأ التدمير الممنهج لحاجات كتير، الدولة كانت بتشيل إيدها من كل حاجة تقريبًا لتحتفظ بسلطات ثلاثة هي الجيش، رأس الهرم، والشرطة والقضاء، وتفضل كحكم بين الطبقات بيحكم لصاحب القوة والسلطة، مشروع الخصخصة اللي اتباع فيه القطاع العام، كان بيكمل على حاجات كتير زي محلات الكساء الشعبي –كان اسمها كدا- والمجمعات الاستهلاكية وخلافه، وكمان بدأ يدمر شبكة المواصلات عشان يحل محلها بعد كدا ميكروباصات النقل الجماعي في بداية الألفينات، وابتدا التدمير دا بالمترو.
مترو مصر الجديدة مش هو أول ترام في مصر العاصمة، سبقه ترام شبرا اللي اتعمل 1897، وكانت شركته بلجيكية وكان بيدور حوالين نفسه لدرجة الناس طلعت عليه "دوخة البلجيكي"، لكن مترو مصر الجديدة كان شيء حيوي جدًا في فترة بناء ضاحية جديدة بعيدة، أنا شفت إعلان عن اللونابارك في مجلة المقتطف سنة 1913، بيعلن إن ضاحية مصر الجديدة لم تعد بعيدة وممكن تركب المترو، كمان مترو مصر الجديدة هو سبب تسمية مترو الأنفاق باسمه دا، مش غريبة إن مترو الأنفاق الخط الأول مش ماشي في أنفاق أصلًا غير في وصلة الخمس محطات بين الشهداء وسعد زغلول؟ الغرابة دي هتنحل لما تعرف إن دي الوصلة بين خطين قطارات كانوا موجودين قبل كدا، فاكر فيلم دايمًا معاك بتاع محمد فوزي وفاتن حمامة لما كان عطشجي؟ دا كان خط بيوصل للمرج من محطة رمسيس وكان فيه زيه بيوصل حلوان من باب اللوق، جا مشروع مترو الأنفاق وجا مبارك عمل وصلة بين الخطين عشان يدعي إنجاز، ولأن كان فيه مترو بالفعل سموا المترو التاني مترو الأنفاق.
حياتي كلها كان لها علاقة بالمترو دا، مترو الشارع على رأي الألمان، كان هو المواصلة الوحيدة تقريبًا اللي بتوصلني قدام بيتي بالظبط، كان فيه كام أتوبيس كمان بيروحوا المطار بس أنا كنت باحب المترو، كانت والدتي بتركبنا المترو لغاية ميدان رمسيس وقت ما كان فيه رمسيس والنافورة، عشان نركب لبيت جدتي في الدرب الأحمر، المترو وقتها كان بيوصل لميدان عبد المنعم رياض، وبعدين في 1997 حصلت حادثة قدام المتحف المصري، اتقال إنها إرهاب وحد رمى قزازة مولوتوف على أتوبيس سياحي، فاتلغى الموقف بتاع الأتوبيسات اللي كان في ميدان التحرير وودوه عبد المنعم رياض مكان موقف المترو، عبد المنعم رياض دلوقت 3 حارات، هما عدد خطوط مترو مصر الجديدة، عبد العزيز فهمي اللي بيعدي قدام بيتي، والنزهة والميرغني، تخيل كدا مواصلة بتاخدك من قدام بيتك توصلك للنيل؟ دي بتسهل لك حاجات كتير سواء كنت مراهق أو كنت بنت، أهلك مش هيقلقوا عليك عشان فيه مترو هيجيبك قدام البيت.
خط عبد العزيز فهمي دا بيمشي، بعد ما لغوا وصلة عبد المنعم رياض، من محطة باب الحديد اللي لغاية دلوقت عليها يافطة باسم كوبري الليمون لغاية ميدان الألف مسكن،  فكنت أثناء دراستي في دولة الصعيد الشقيقة أرجع بقطر يوصل الصبح فآخد المترو لغاية البيت، وعشان المترو كان واسع كنت أركن شنطي ورا أول كرسي وأقعد مقابل لها ويفضل عيني عليها، لأن المترو مريح وبيتيح دا، عكس الميكروباص اللي مش بيعدي قدام بيتي أصلًا، ولو ركبته السواق يقعد يشمئنط من الشنط، آخر مرة شفت فيها مترو معدي قدام بيتي كان من حوالي سنتين، ما أعرفش راح فين فعلًا.
الخطين التانيين النزهة والميرغني، واحد بيمشي من باب الحديد لغاية مساكن شيراتون وواحد لغاية مسرح التلفزيون، لما جم يعملوا نفق الثورة عملوا لخط الميرغني كوبري علوي، الخط دا اتفك حاليًا والنزهة مش شغال، مشكلتهم مش مشكلة تطوير، الكوبري العلوي اتكلف كتير بالمناسبة وبعدين المترو اتلغى، أزمة مترو الميرغني إنه بيعدي في شارع الميرغني قدام قصر الرئاسة، والنزهة بيعدي من جنب القصر في شار ع الأهرام، مشكلة المتروهين دول إنهم بيعدوا بالرعاع جنب قصر السلطان والأسباب الأمنية لازم توقفهم.
قلت لك إن الأتوبيسات كانت بتوصل لميدان التحرير؟ طيب قلت لك إن كان فيه موقف في باب اللوق؟ ما قلتلكش، كان فيه موقف هناك اتعمل دلوقت ساحة انتظار سيارات وموجود قدام قهوة الحرية، كان بيوصل له أتوبيس رقم 940، فكنت في أول سنين الجامعة أركب من قدام البيت أوصل وسط البلد على طول، أشتري كتب وأقعد على أي قهوة وبعدين أروح، كل دا انتهى، الأتوبيس رجع بقى يقف في عبد المنعم رياض وما بقاش ييجي أصلًا، تخيل إني لغاية دلوقت ما باعرفش أروح الدرّاسة مباشرة؟ 12 سنة لو عُزت أروح الدراسة لازم أركب مواصلتين، لما باحب أنزل السيدة عائشة مثلًا بامشي لغاية نفق الثورة، ممكن بتوع المعلومات والخرايط يحسبوا كام كيلو متر من ميدان المحكمة لنفق الثورة، عشان أستنى ميكروباص رايح السيدة عائشة، يكون معدي وفاضي وقابل يركب راكب، الرحلة دي بأعملها وأنا رايح المقطم، وفي أول شهرين من 2014 كنت بأعملها كل خميس، كل دا عشان فيه شخص ما قرر إن الفضاء العام ما ينفعش يمشي فيه مترو، لو كان موجود كنت ركبت للدراسة ولقيت ألف مواصلة للمقطم، لأن الميكروباصات بتنقي مواقفها تبعًا لمصالح الناس ولو لقت موقف مترو أو ترام أكيد هتروح تركن جنبه تحمل.
بالنسبة للبعض كل الكلام دا كلام فارغ ومالوش لازمة، الحقيقة إن مصر الجديدة، وأعني مصر الجديدة اللي تبع قسم مصر الجديدة مش كمالتها اللي تبع قسم النزهة، مصر الجديدة اللي اتبنى معظمها قبل 1952 مش منطقة كلها برجوازية، مصر الجديدة منطقة فيها منطقة شعبية من اللي بتشوفها في الأفلام، محمد خان صور فيها فيلم أحلام هند وكاميليا، في مبنى اسمه البُلُك، المنطقة دي بتتسمى العزبة القديمة أو عزبة المسلمين لأن مصر الجديدة كان أغلبها خواجات وأهل البلد كانت أحياءهم بتتسمى وقتها بأسماء زي حي العرب في بورسعيد أو عزبة المسلمين بمعنى أهل البلد ولاد العرب، المنطقة دي كان بيحدها سور زمان شبه سور القاهرة، كان فيه غرام استشراقي كدا عند البلجيك والفلمنك يعملوا المنطقة بتصميم مملوكي على أندلسي، بداية من شارع بيروت لغاية شارع أبو بكر الصديق بتنتهي الكوربة والڤيلات وتبدأ مصر الجديدة الشعبية اللي كان بيسكنها موظفين وعمال وبوابين، فيها تجمع كبير نوبي على سبيل المثال، المترو هو وسيلة المواصلات للسكان دول، وللعمال والموظفين اللي شغالين هناك، السكان الشعبين هما روح المنطقة الحقيقي اللي ما هاجروش منها لتلات أجيال على الأقل زي عيلتي كدا، بعد ما جا جدي من الصعيد في 1918، واشتغل خدام وقهوجي وبواب في المنطقة، حتى تحقيق الشخصية بتاعه الموجود عندنا مكتوب فيه طباخ، السكان دول لازم يبقى لهم مواصلة سهلة ومتوفرة، دا المستعمر الأوروبي صاحب الامتيازات نفسه عمل حسابهم يا أخي.
الحاجة التانية اللي بتتقال إن دا مترو حلزونة وقديم ومالوش لزمة، وطبعًا دي جمل ما بتسمعهاش غير في مصر العزيزة أم الدنيا، معروف يعني إن القديم بيتجدد مش بيتلغي، بالنسبة لمترو الدراسة اللي اتلغى عشان يوسعوا طريق صلاح سالم كان فيه حل بسيط، شيل القضبان وركب عجل، آه كان ممكن تركيب عجل كاوتش والاحتفاظ بخط الكهربا العلوي، دا اختراع كان موجود في مصر وكان ماشي منه واحد على كوبري الجامعة، اسمه التروللي باص، ماشي على عجل كاوتش زي بتاع الباص بس بياخد الكهربا من السنجة فوق، وكان ممكن حتى تعمله دورين، عشان سكينة تقول لعبد العال "اركب الكهربا من فوق يا ولا عشان النساوين ما تعاكسكش"، وساعتها كان ممكن العربيات تمشي عادي في نفس خط التروللي باص، لأن مش هيبقى فيه قضبان تعيق حركتها.
ما حدش بيفتكر المواصلات غير اللي بيضطر يركبها، المترو مش مجرد ذكريات وحنين ونوستالجيا وأيوة بقى يا بيبسي رجعتي فؤاد المهندس بعد ما مات، المترو مواصلة كانت بتوصل لغاية جامعة عين شمس، كانت بتوصل طلاب وعمال وموظفين ما يقدروش يركبوا تاكسي ويدفعوا 15-20 جنيه في المشوار، وفيه مناطق الدولة بتنساها عشان مافيا النقل الجماعي وشركات الميكروباص أو لواءات المرور اللي كلنا عارفين إنهم بيستثمروا وقت فراغهم وسلطتهم ويشغلوا سواقين ميكروباص عندهم، فيه مناطق كاملة زي ما بين ميدان روكسي وميدان الألف مسكن، ما بيعديش فيها خطوط أتوبيسات غير خط أو اتنين، ووصلتها الوحيدة كانت المترو.

المترو مش بس ذكريات وشوية حديد، دا مواصلة وفضاء عام، فضاء عام بيتحرم على محدود الدخل اللي حالته مستورة، وبتنحصر حرية التنقل فيه شوية بشوية للقادرين على شراء عربيات أو ركوب تاكسيات.

هناك تعليق واحد:

  1. بارك الله فيك موضوع جميل جدا وحسبنا الله ونعم الوكيل فى كل جاهل يعطى قرارات غير مدروسة انا حزنت جدا لانى من جيل بداية السبعينيات كنت فى الجامعة. ذكرياتنا جميلة مع المترو الميرغنى اخده من عبد المنعم رياض لكلية البنات
    دلوقت انا تعديت السبعين وفوجئت بالكلام دة انا لله وانا اليه راجعون والبقاء لله

    ردحذف