السبت، 22 نوفمبر 2014

صاحب الرسالة المارشالجي

صاحب الرسالة المارشالجي

على مدار عمري تعاملت كتير مع ناس مصابين بوهم الرسالة، ما بين السياسة والفن والأدب والصعلكة، مش قليل لما تلاقي شخص قرر فجأة إنه صاحب رسالة وهذه الرسالة مُكلف بتبليغها للناس، الحالة دي بتتعدد أطيافها ودرجاتها ما بين الهوس الكامل بالرسالة ودا غالبًا بيوصل لعنبر الأنبياء في الخانكة، العنبر اللي بيحجزوا فيه مدعي النبوة والمهدية وخلافه، وبين هوس خفيف يُصاب به الأفندية وغيرهم في دول ما بعد الاستعمار.
المعتاد في صاحب الرسالة، إنه بيبقى صاحب ريالة، بس مش شايف ريالته، هو متخيل إنه صاحب رؤية محورية كونية ستغير وجه ووجع الشعوب، وما على الشعب غير إنه يتبعه بصفته حامل الوعي، الحالة الأشهر هي حالة أفندية مقاهي وسط البلد، اللي بمجرد ما يبتدي يحبو في قراية النظرية بيقرر إنه طليعة وإنه قيادة جماهيرية، وإنه مكلف، لأن لينين زانقه زنقة روسي في خانة اليَك في كتاب ما العمل، بإنه ينقل للجماهير وعيها، وبيتدي يتصرف ويتحرك من ثوابت فكرية، هي في الحقيقة ريالة نازلة على صدره، لكن هو شايفها رسالة عظمى.

الحقيقة الحالة لا تقتصر فقط على كونك مثقف أو أفندي أو لأ، في دول ما بعد الاستعمار زي مصر، وخاصة لأن الاستعمار عمل على التفرقة ما بين المتعلمين، اللي هيبقوا خدم وحشم جهاز الدولة البيروقراطي السلطوي الجسم الغريب عن الشعب زيه زي الاستعمار، وبين السواد الأعظم للشعب اللي ظل لأسباب عديدة ومتشابكة غير متعلم، فيكفي إنك تكون بتفك الخط حتى يتم اعتبارك صاحب رسالة، ويفوضك الفلاحين زي محمد أفندي في فيلم الأرض عشان تروح تتفاوض باسمهم، شايفينك صاحب رسالة بينما إنت في الحقيقة صاحب ريالة نزلت أول ما شفت رجل الخواجاية في الفندق زي ما حصل في الفيلم #ما_علينا.

مؤخرًا لاحظت انتشار الحالة دي على السوشيال ميديا، المُتخمة على تمة عينها بالمتعلمين، اللي بيعرفوا يفكوا الخط يعني، وخاصة من المارشالجية، المارشالجي بشكل رئيسي مؤمن بإنه صاحب رسالة، وإن المارشال بقلظ أبو الخدود نحنح الله صوته نفسه صاحب الرسالة الأعظم المُكلف بحماية البلاد، بلغه هو شخصيًا بالرسالة دي، فيقوم المارشالجي من دول أول ما تزنقه في أي نقاش، أو بمعنى أصح تبين إنه صاحب غسالة مش رسالة، يبتدي يفكرك برسالته الخالدة، "إنتم ما تعرفوش المؤامرات على البلد"، وهو لأنه تابع، لو ما كانش ظبوط أو بيدعي إنه ظبوط يعني، بيعتبر إن الظبابيط هما أصحاب الرسالة الأَولى منه بشرف الدفاع عنها، فتلاقيه بيعتبرهم فوق البشر، وفاكر السباليتات اللي على الأكتاف أجنحة ملايكة، هو ما بيناقشش هو بيفكرك بالرسالة المُكلف بيها، رسالة الحماية والواجب والعين والحاجب، أي حاجة تلاقيه فتح لك علبة الردود وطلع لك جملة "دا واجب الظابط إنه يقتلك ويقتل أمك عشان يحميك".

وهم الرسالة عند المارشالجية بيتفاقم أكتر من وهم رسالة أستاذية العالم عند أسلافهم الإخوان، لأن وهم رسالة أستاذية العالم في الأول والاخر وهم انفتاحي وتبشيري يملك بارانويا عظمة أكتر ما يملك بارانويا اضطهاد لكن وهم رسالة حمايتك من نفسك هو بارانويا اضطهاد، العالم كله بيحاربنا وهو بصفته مارشالجي تلقي وحيه من خدود القائد ونحنحة ذبذبات صوته، هو الوحيد العارف بالمؤامرات دي كلها، اللي بتبدأ من كوريا الشمالية وما بتنتهيش عند النرويج.

المارشالجي صاحب الرسالة، اللي هي في الحقيقة ريالة، واثق جدًا من رسالته، زي أي مريض في عنبر الأنبياء في مستشفى الخانكة ما هو متأكد من إدعائه النبوة أو المهدية، يمكن كل مريض بالفاشية عنده نفس الوهم #ما_علينا


ربنا يبعدنا عن أصحاب الرسالات والريالات.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق