الأحد، 23 أكتوبر 2016

عن كرة القدم والتقاسيم

عن كرة القدم والتقاسيم



باحب كرة القدم لأني باحب الموسيقا القائمة على الارتجال، كرة القدم بالنسبة لي هي التقاسيم في الموسيقا المقامية، حتى كلمة تقسيمة مشتركة بين كرة القدم والطرب.


اللي بيقسم عليك في اللعب -اللعب كمان كلمة مشتركة- بيبقى عاوز يجيب فيك إجوان، مرة عمار الشريعي وصف فريد الأطرش بإنه لازم يجيب إجوان في كل جملة بيقسمها، كرة القدم نص مفتوح زي التقساسيم الحرة، لها إيقاع ساعات بيهدا وساعات بيهبط وساعات بيهجم عليك الخصم زي هجوم الصمت على ريشة عازف العود لغاية ما ترتبك وتقول للفريق "اصحوا ليغفلونا" بصوت كابتن لطيف أو تقول للعازف "إيه يا عم حاسب هتقع".


كرة القدم فيها مكسب وخسارة والارتجال الموسيقي كمان ممكن يكسب جون في المستمع وممكن يخسر، التقاسيم بتبقى على مقام واحد في الغالب، كرة القدم كمان بتبقى على طريقة لعب واحدة، بس زي ما المقام بيتلون، وبتقعد في كل نقلة في الملعب وفي كل ضربة ريشة أو رعشة وتر وصمت تفكر هيروح فين، هيفتح الوينجين ولا يقفلهم، هيحول ال4-4-2 ل4-3-3 ولا يرجع يدافع هيحول الراست سوزناك ولا ماهور ولا يرجع للراست المرصع بتاع زمان اللي عامل زي تراقيص مارادونا سنة 86، كمتلقي بتقعد عشان تستنى المفاجأة دي إما تقول لها "الله الله يا لعيب" وإما تقول للي لعبها "اتفو ع اللي دربك"



ماتش الليلة دي بين الزمالك وصن داونز عامل زي تقسيمة عود، مطلوب منك أربع مراحل، استهلال تعرض فيه أول المقام ومظهره والتانية تعرض فرعه والتالتة تعرض تلاوينه والرابعة تقفل وآه من القفلة، القفلة الحلوة زي الجون الرابع بتاع الزمالك لو النتيجة 3-0 وييجي في الدقيقة 91، ساعتها تتكيف، المباراة زي التقاسيم لغز، هيجيب الأول إمتى والتاني إمتى طيب لو ما وزعش المجهود طب لو جابهم بدري -لا مؤاخذة في اللفظ يعني- وريح مش هيكيف الجماهير.


كرة القدم اللي بالطريقة دي هي اللي تكيف، هي اللي تبقى زي جملة موسيقية الست تعمل فيها وحايد ألف مرة، كرة القدم اللي ما تعرفش إيه اللي جاي فيها هي "يا قلبي آه" في هو صحيح الهوى غلاب.


في لعبة زي دي مش مهم الربح ولا الخسارة، لما تدوق حلاوة المفاجأة وجمل القفلة ومزيكتها، تهتف وتقول دي مش كورة دي مزيكا و
 #سنظل_أوفياء


التنسيق باستخدام الخط الأميري.

السبت، 24 سبتمبر 2016

عن ليلة مدرسية بعيدة

عن ليلة مدرسية بعيدة


في الصف الثاني من دراستي الإعدادية حضرت أول حصة درسها لنا، كان الأستاذ وحيد من أولئك المدرسين أصحاب الكاريزما الذين يجبرونك على معرفتهم قبل أن يدرسوا لك، كان صيته يسبقه أو بعبارة أخرى، أليّق بحال لغتنا وقتئذ في أيام العقد الأخير من القرن الماضي، ألاطته الأمريكاني، كان مجهول التاريخ الشخصي بالنسبة لنا، سمعنا، والعهدة على الرواة، أنه بدأ التدريس كمدرس للدراسات الاجتماعية ثم حول مساره لتدريس اللغة الإنجليزية، وإن كنت شخصيًا أعتقد إنها شائعة أطلقها مدرسون منافسون، فعلى العكس من زكريا الدرديري في مدرسة عاشور عاشور، كان الأستاذ وحيد متمكنًا من تدريسه تمكنًا جعله المسئول عن الفقرة الإنجليزية في الإذاعة المدرسية، وكان يغيب في بعض الأسابيع لإكمال دراسته التربوية حسب شائعات المنافسين ولإكمال دراساته العُليا حسب شائعات أُخَر.
قلت إنها كانت ليلة مدرسية، رغم إن دراستي كانت صباحية كأغلب مدارس الضاحية البرجوازية مصر الجديدة، أذكر تلك الليلة بشكل جيد، ربما كانت مساء الأحد، فتدقيق التاريخ بعد مرور أكثر من 20 عامًا أمر صعب على ذاكرة عنينة كقضيب شيخ في التسعين، لكني أذكر تمامًا أنها كانت ليلة عزاء ضخم في دار مناسبات مصر الجديدة القريب من بيتي، عزاء وزير التموين أبو الدهب الذي كان يسكن قبل بضعة مبانٍ من مدرستي، وكانت تلك الليلة الأولى التي أرى فيها ذلك الكم المفرط من الشرطة خارج أفلام السيدة نادية الجندي نجمة البهاليل التي أحبها خالي في شرائط الڤيديو وشاهدها المرحوم أخي في السينمات الصيفية، كل ذلك النحاس بتعبير سائقي تاكسي القاهرة من الصعب نسيانه إذا لمع أمام صبي لم يتم الثانية عشرة بعد.
في تلك الأيام كانت الشمس تغرب في موعدها الثابت مثل هذه الأيام، لكن الليل كان يأتي أسرع، فخروج صبي بعد السابعة وقت الدراسة كان من الأحداث الاستثنائية التي تجعله يشعر بوطأة الظلمة وإن لم تكن تلك الليالي مظلمة كما تتذكرها ذاكرتي الصبية، المهم ... خرجت يومها للبحث عن كشكول كبير، ما قبل زمن الوفرة الورقية والاستيرادية كان العثور على كشكول محترم مُكون من أكثر من مئتي ورقة مطلبًا يستدعي الذهاب إلى مكتبات بعينها، كانت مواصفات الكشكول، التي أملاها علينا الأستاذ وحيد بهالته التي عززها بارتداء نظارتين، واحدة طبية وأخرى شمسية، متعمدًا ارتداء الشمسية داخل الفصل لإخفاء عينيه، مواصفات شبه مقدسة، كشكول كبير 200 ورقة غير مكعب بسلك ومجلد بجلدة سوداء أو بنية يشبه كشاكيل تحضير الدروس، لحسن الحظ كانت هناك مكتبة جديدة بالقرب من المدرسة وبيتي، في مساحة كبيرة احتلها الآن توكيل شركة اتصالات.
لم أذكر السبب بعد، لكني أذكر مشهد طلب الكشكول في حصة الأستاذ وحيد، كانت الحصة بعد الفُسحة مباشرة أو ربما كانت الحصة قبل الأخيرة فالشمس كانت آتية من خلفه منعكسة على ناظري الضعيفين في آخر شهر لي قبل ارتداء النظارة الطبية، أذكر ذلك الفصل جيدًا، 2-2 في الدور الأرضي، أعرف ذلك على وجه اليقين لأني عاودت زيارة المدرسة بعد الثورة حين تحولت للجنة انتخابية وأصر والدي على الإدلاء بصوته في استفتاء الشيخ يعقوب وكندا، يومها دخلت نفس الفصل بصحبة والدي ووجدت اسم عمي المرحوم في كشوف الناخبين #ماعلينا.
طلب منا الأستاذ وحيد الكشكول لمهمة مختلفة عن حل الواجب، مهمة تعمد أن يسميها بتسمية كانت غريبة على أسماعنا، نحن طلاب المدارس الحكومية الذين لم ندرس الإنجليزية في المرحلة الابتدائية من الأصل، "هتجيبوا كشكول كبير 200 ورقة مش سلك ومجلد بجلدة سودا أو بني وهتعملوه كشكول Vocabulary " ويومها استفسرنا جميعًا عن معنى الكلمة، فأصر هو على عدم الإدلاء بسر المعبد مكتفيًا بالصياح بلكنة أمريكية "Oh my God"، ربما كانت لكنة زائفة وخاطئة لكنها صادفت هوى في أنفسنا، نحن طلاب المدارس الحكومية الذي اعتدنا على دراسة المنهج الموضوع حسب لهجة بريطانية بلكنة مصرية وربما صعيدية تملى علينا بطريقة قصيدة عُمر نجم "يا ولاد سعيد يعني هاپي"، وكان الأستاذ وحيد هو الوحيد الذي يستبدل اللكنة المصرية بالأمريكية وإن لم يستبدل المنهج، هكذا علمنا الإنجليزية البريطانية حسب المنهج الموضوع بلكنة أمريكية ربما كانت خاطئة لكنها لاقت هوى في أنفسنا وهيبة وزادت من كاريزمته زيادة لا توصف وأكدت ألاطته الأمريكاني.
في الشهر التالي لتلك الليلة عرفني فجأة، في الامتحان الشهري الأول حصلت على أكبر مجموع درجات في مادته، وهو معدل حافظت عليه طوال السنة والسنة التالية، كنت دائمًا الأول أو الثاني في مادته، لكني لم أكن طالبه المفضل، حاز هذا التفضيل صديقي مصطفى في السنة التالية، كان مصطفى تلميذًا من تلاميذ المدارس التجريبية انتقل لسبب ما لمدرسة حكومية، فكانت حصيلته اللغوية أفضل ونطقه أقرب لأمريكية الأستاذ وحيد المفتعلة، أما لكنتي فكانت لكنة مصرية استدعت تعجبه، حين سألني بعد حصولي على أعلى درجة في امتحانه الشهري، الذي عبر عنه بعبارته الأثيرة "Oh my God".
في السنة التالية ضمني لفترة وجيزة لفريق الإذاعة قبل أن تستحوذ عليّ فقرة قراءة القرآن بالتبادل مع الأخ محمود، وعلمني فيها قراءة الإيجبشن جازيت التي لم أكن أعرف عنها سوى إفيه سمير غانم في 4-2-4، وكنت قد تعلمت قبلها أهمية كشكول Vocabulary الذي صاحبني حتى نهاية دراستي الثانوية، وبسبب ذاك الكشكول أدمنت شراء القواميس للكشف عما اُغمض عليّ فهمه من مفردات، بسبب Price list  التي لم أجدها في كتاب الأضواء اشتريت قاموس إلياس للجيب، وبسبب كلمة أخرى في الجازيت اشتريت أخاه الأوسط  إلياس المدرسي عربي - إنجليزي إنجليزي - عربي، وبسبب كلمة في الويكلي في الصف الأول الثانوي اشتريت أخاهم الأكبر إلياس العصري الذي أحتفظ به للآن، أما المورد فقد اشتريته بسبب كلمة قرأتها في مجلة العربي Hypothalamus  ولا أذكر سبب ورودها في المجلة من الأصل، فذاكرتي واهنة كشهوة عجوز في ثمانينها.
في الصف الثالث الإعدادي كنت قد صرتُ متدينًا، والتحى الأستاذ وحيد لفترة وجيزة بررها بألاطته الأمريكانية المعهودة إنها لالتهابات في بشرته الحساسة، لكن ذلك السبب لم يعجبني وقتئذ حين كنت أصادفه في مسجد غار حراء في ميدان المحكمة كل يومٍ بعد الدراسة، لكنه علمني في تلك السنة أن أُترجم ما أقرأه في الجازيت كل أسبوع، ودلني على كتب notes on grammar ونصحني قبل انتهاء الدراسة الإعدادية بدراسة اللغة الألمانية في المدرسة الثانوية، فهي أقرب للإنجليزية وتُقرأ كما تكتب حسب قوله الذي لم ينافِ الحقيقة، ولم يكن مثل لكنته الأمريكية المفتعلة.
لا أذكر مدرسي الإنجليزية في السنتين الأولاتيين من الدراسة الثانوية إلا طشاشًا، أولهما أسميناه يونس شلبي لشبهه الشديد بالممثل الكوميدي الراحل، كان مبقلظ الخدود رجعي التفكير قحف المظهر، أخبرنا ذات يومٍ أنه تزوج زوجته بالثانوية العامة لكي لا تطلب العمل بعد الزواج، وكسر لي ساعتي التي أرتديها في يمناي حين كنت أتفادى ضربة من ضربات عصاه، أما الثاني فهو أحمد ما، كان يدرس لنا بطريقة غريبة وكان يتعمد الإنحناء بشدة قبل الكتابة على السبورة مصدرًا لنا مؤخرته دون سبب، وحتى الآن لا أدرك سر فلقسته التعليمية.
المدرس الثالث في الثانوية كان مؤثرًا حقًا لكني لا أذكر  اسمه، ذاكرتي عنينة كقضيب أحد خصيان ألف ليلة وليلة، لكن تأثير ذلك المدرس لم يكن لغويًا، كان يحاول وبجد أن يكون لنا صديقًا، ولا زلتُ أذكر دموعه المترقرقة ذات يومٍ، وكان يعدني طالبًا صديقًا له فكنا نتبادل الكتب وأشرطة الكاسيت، حين قلت له "ما إنتم مش عارفين تحتوونا"، كنت مراهقًا يرغب في كسر صورة الأب أينما حلت حتى لو كانت بهذا الحنان، ربما أسقطت ذاكرتي العنينة اسمه بسبب ذلك الموقف حتى لا أبحث عنه وأعتذر له، لكنه لم يكن معلمي اللغوي على أي حال، كان كشكولVocabulary  هو معلمي الأول، في تلك الأيام في السنوات الأخيرة من القرن الماضي، لم تكن قناة Nile TV قد صارت مُسخة يتمشى في أرواقها القطط الصفراء، وكنت أجلس أمام الأفلام العربية لأسجل مفردات الترجمة الإنجليزية في الكشكول، في السنة الأخيرة وقبل أسابيع من عبارة "مش عارفين تحتوونا" حصلت على أول مبلغ بسيط في حياتي نظير ترجمة ما، طلبها أحد الجيران لملزمة من ملازم دراسته لدبلوما نفسية، وقتها كان عليّ البحث عن الأستاذ وحيد وإنقاده نصف المبلغ على أقل تقدير.
سلام عليك يا أستاذ وحيد أينما وجدتُ الآن، رغم لكنتك المفتعلة التي لا أهتم الآن بكونها حقيقية أم لا ورغم ألاطتك الأمريكاني ورغم إصرارك على ارتداء نظارة شمسية داخل الفصل دون داعٍ ورغم سخريتك المستمرة منا بعبارتك الأمريكية الأثيرة "Oh my God"، سلام عليك وعلى تلك الليلة التي خرجت فيها بالشبشب وبنطلون الترنج رغم كل أفراد الشرطة المنتشرين في محيط العزاء لأحضر الكشكول أبو 200 ورقة ومش سلك وبجلدة سمرا أو بني، سلام على كشكول المفردات، سلام على صفحات الجازيت، وسلام عليك مرة أخرى أينما كنتَ الآن، وسلام على دينٍ لك لا زلتُ أحمله في عنقي.

 التنسيق باستخدام الخط الأميري

السبت، 13 أغسطس 2016

إفحام الجاموس في أصل كلمة خلبوص

إفحام الجاموس في أصل كلمة خلبوص

- " (والخَلَبُوصُ، مُحَرًّكة: طائرٌ أصغرُ من العصفورِ بلَونه)، سُمي به لكثرة هروبه، وعدم استقراره في موضعٍ، ومنه سمي الرجل الطّرار خَلَبُوصًا" تاج العروس من جواهر القاموس للمرتضى الزبيدي.
"خلبوص، خلبوس: خَلْبَصَ: فرّ وهرب. والخَلَبُوص صعلوك أو شخص لا خلاق له، ومن لوازمه، كما يذكر مؤلف (هز الفحوف) الطراشة، وهي عصا يحملها ويلعب بها، وقال أن غالب الخلابيص يلبسون في رؤوسهم القحوف وليس له زي ولا هندام تستعمله الفقراء. وذكر طاهر أبو فاشا أن الخلابيص جمع خلبوص وكانوا يطلقونه على راقص الزفة الذي ينادى في الأفراح ويجمع ما يجود به المدعوون"
أ.د/ عماد عبد السلام رؤوف

والجاموس، ممن لم يتجسسوا قبلًا على معجم أو يكلفون خاطرهم بفتح قاموس، ويخلطون ما بين بنها وسوهاج وقنا وباسوس، ويأثلون اللغة المصرية الحديثة لأصول قبطية مرة وفرنجية مرة ومهلبية مرات ومرات للغة المجوس، يخلطون خلطًا شنيًعا ما بين راقص الزفة أو لمّام النقوط وهو الخلبوص وأقرب دور له هو النبطشي في الأفراح الحديثة في ليالي الجمع والخموس، وصبي الراقصة أو اللبيس، ويزيدون الطين بلة والقصب الفاسد سوس فلا يفرقون بين لبيس الراقصة المعاون لها في قلوع ولبوس وبين أدوار قدمتها السينما فخلطت بين الحقيقة والهساوس والخيالات والمسوس فجعلوا لبيس الراقصة خولًا دون دراية أو علم أو استشارة قاموس.
وقانا الله وإياكم شر الجاموس الناشرين خراءهم في حر آب اللهاب... مش كفاية علينا الناموس؟!



الاثنين، 1 أغسطس 2016

ابن الحياة ترجمة مصرية لأغنية Nature boy

ابن الحياة
ترجمة مصرية لأغنية nature boy



كان فيه مرة ولد
ولد عجيب عجيب
قالوا سافر بعيد بعيد
فات على بلاد وبحور
كانت عينيه حزينة
وكان خجول
لكنه كان حكيم

*****
وفي يوم غريب غريب
رجع ولقيته في الطريق
حكى لي كتير كتير
عن الملوك والشحاتين
وقال لي في آخر الكلام
أعظم شيء عرفه
على مر الزمان
إنك بس تحب وتلاقي الحب
إنك بس تحب وتلاقي الحب


* التنسيق باستخدام الخط الأميري

الجمعة، 22 يوليو 2016

تحرش في مسجد الحسين في قاهرة القرن 19

"ويقول أهل القاهرة عادة أنه ما من رجل يذهب إلى مسجد الحسين يوم عاشوراء إلا لأجل النساء فيُدفع في حشدهن، وينعم بذلك إلى أقصى رغباته، وقد عرفت ذلك التجربة عندما تقدمت لمشاهدة الحفلات الدينية التي تكون، علاوة على قداسة اليوم عاملًا في جذب مثل هؤلاء الأسراب من الناس.
كان هناك ما يقرب من خمسين درويشًا من فرق مختلفة يجلسون على صفين متقابلين جانب الحائط الخلفي على يمين المنبر، ولم يكون أحد يقوم بالذكر غير درويش مسن يقف بين الصفين، فتقدمت إلى الأمام لمشاهدتهم فوجدت نفسي في موقف يبدو غريبًا في بلد يعتبر لمس امرأة غير زوجه أو جاريته أو قريبته غير لائق، وكنت محصورًا بين نساء أربع حتى أنني ظللت بضع دقائق عاجزًا عن الحركة في أي اتجاه، وكان الحشد يدفعني بشدة نحو امرأة شابة، فكادت وجناتنا تتماس لولا النقاب، وكان يبدو من لهثها أن موقفها لم يكن سهلًا، وإن بدت عيناها النجلاوان تبتسمان معبرتين عن تسليتها، ولكنها لم تتحمل ذلك طويلًا فما لبثت أن صاحت "يا عيني! ما تكبسش عليا جامد كدا" بينما صاحت امرأة أخرى تقول لي "يا أفندي وحياة راسك امشي لقدام وافتح لي سكة وراك"، وبعد لأي توصلت إلى المكان المقصود، غير أني كدت أفقد سيفي وكمي سترتي المتدليين، فقد علق مقبض سيفي بملابس البعض، فشُد النصل من غمده تقريبًا قبل أن أستطيع أن أمسك به، وكنت أتصبب عرقًا مثل جميع من كانوا حولي"
إدوارد وليم لين - المصريون المحدثون شمائلهم وعاداتهم، القاهرة 1835 ميلادية

ترجمة: عدلي طاهر نور

الخميس، 11 فبراير 2016

العناصر الخمسة

العناصر الخمسة



اليگاه ... صوت أبيك في شيخوخته.
العشيران ... صوت أمك العجوز قبل موتها.
الدوگاه ... صوتك، في منتصف الطريق نحو موتك.
النوا ... صوت حبيبتك في منتصف عقدها الثالث.
الگردان ... صوت همسكما سويًا.
(ينتج  الرقص عليه فوق صدر عودك،
 بنقرات خفيفة، لا متعجلة ولا متهاودة،

 أصواتًا حادة، تشبه ألحان لحظاتكما السرية)

--------------
التنسيق باستخدام الخط الأميري الصادر حسب رخصة المشاع الإبداعي.
الصورة لشمسية عود صناعة الحاج أحمد محمد.

الثلاثاء، 9 فبراير 2016

تشكيل


تشكيل
  
1
- وعندما تنتهي حكاياتك الداخلية وتصاب بداء النسيان، ماذا ستفعل ؟!
- س
أخرج إلى الطريق، وأسرق من المارين حكاياتهم، وأقرأ في عيونهم شكاواهم التي لم يبوحوا بها لأحد .
- وعندما تنتهي؟
- وهل تنتهي الحياة ؟
- وإذا نفد حبي بداخلك، ماذا ستفعل ؟
- سأقف عند نافذتي وأشاهد الطير المسافر، وألتقط من غناءه حروف أسمِك، وأعيد تشكيلها ليبقى وجودى داخل حبِك .
- لتبق داخل سجني ؟!
- لأبقَ ... داخل الحلم بأني أحب، ما من أحد في غنىً عن حلم يحلمه طالما ظل عارفًا لحدود الحلم .
- ولو جاءتك أخرى ؟
- ستجيء حتمًا وتسكنني، لها من جسدي ما لها، ومن عقلي ستحتل ما تخليه أنت ِ من حلمي، لكنكِ ستبقي .. فما من أحد في غنىً عن حلم جميل، ما من أحد في غنىً عن وهم أنه ليس هو .
1-2
لأني نباتي أمتنعت عن أكل ثدييك
المستديرين كحمامتين
فلما ألتقى فمانا، تذكرت أني لم أقلع بعد عن أكل الاسماك
فالتهمت شفتيك .
2
في الشارع الصُبحي الغارق في الأزرق الرمادي، وقف، عليه ضوء الفجر، وألقى من علبة بلاستيكية ماء الغسيل، فتساقط أبيض رقراق مرغيًا فقاعات صابونية ورغوة بيضاء انزلقت على سيارة السيد الجديدة لتغسلها، من داخلي انسكب ماء التشكيل، فالتقيا على الارض، كل في طريق والفعل واحد .
ولاشيء خارجنا لم يقتحمنا مغيرًا لهيئته، نسمي أشياءنا فتتسلل داخلنا، ونضعها في رسم الحروف المزينة بتشكيلاتها وسكناتها المشددة، يسيل ماء لعابنا فيغير الحرف المشكل فيختلف وجودها العقلى عما بداخل سجن الترميزات الساكنة لخطوط يدوية فتنطلق فى البراح .
هكذا الماء يمحو الفوارق بين نفير عربة السيد وصوت إغلاقك سماعة الهاتف في وجهي، ويمحو الفارق بين خاء الخوف وحاء الحب، ويضع على دال الدلال نقطة ذال الذنب.
لذا اجتنبى كثيرًا من الماء في مدينتك الجديدة، واغرقى فى كثيرٍ من ماء بلدتك القديمة، فماء الجبال أكثر قدرة على التشكيل المتلاعب بالمعنى من ماء الصحاري .
2-1
 
- هل أنتهيت ؟
- وهل سمحتِ لي بالبدء .
9 فبراير 2008


الثلاثاء، 26 يناير 2016

من التاريخ المصري للواقي الذكري

من التاريخ المصري للواقي الذكري

-1-
 ربما يذكر مواليد بدايات 1980ات تلك الإعلانات التلفزيونية التي تحذر من مرض الإيدز، بموسيقاها التصويرية المميزة والمشهد المقرب لسمانة امرأة لا هي بالنحيفة ولا هي بالسمينة، مرة مدملكة بحسب التعبير المصري، يتبعها حذء رجل -ربما كان مقاس 44- وأصوات المغنين الشبيه بمنشدي الحروب يغني في خلفية المشهد "خطر خطر اوعى الخطر ابعد بلاش الخطوة دي ما تخطيهاش" ثم يكمل التحذير "الإيدز ع الموت انطوى الإيدز زي الموت سوا لا له علاقة ولا دوا".
ربما يذكر البعض ذلك الغناء وذاك الإعلان، الذي صاحب طفولتنا مثله مثل إعلان البلهارسيا "ادي ضهرك للترعة"، رغم ذلك لا أدري كيف احتفظت الذاكرة الطفولية بكلمات تلك الأغنية رغم ألفاظها الثقيلة - انطوى على سبيل المثال- لكني أذكر جيدًا كيف كان المُعلق، وهو غير المغني بطبيعة الحال، يختم ذلك الإعلان ويقرر أن في البلاد الغربية -أصبحوا كفارًا فيما بعد- يستعملون الواقي الذكري لكن في بلادنا الجميلة -الجميلة خالص- يتحلى أولادنا بالقيم الدينية.
-2-
ودعت الطفولة وغادرت تلك الإعلانات الشاشات، ليحل محلها إعلانات تحذيرية أخرى عن مخاطر المخدرات وخلافه، قبل أن تتحول هذه الإعلانات إلى أعمال درامية تحذيرية كاملة تحذر من الجنس والمخدرات، كان زمن إعلانات اوعى الخطر سابقًا على فِلم ديسكو ديسكو ومسلسل امرأة من زمن الحُب، لكنه علق بذهني وبذهن غيري حتى المراهقة.
في المراهقة لم نكن نعرف هذا الواقي الذكري سوى بالاسم، تعلمنا في ذلك الزمن إن اسمه الحركي توبس، وكثرت في سنوات المراهقة النكات عن التوبس ومنها نكتة الصعيدي الذي ناك إحدى الأجنبيات فطلبت منه أن يرتدي توبسًا "عشان ما تحبلش" فلم يجد فارتدى جوربه ثم قذفه بعيدًا -الجورب لا المني- قائلًا "روح إياكش تحبل".
كان التوبس مركزًا لأحاديث المراهقة السرية، مثلًا مثل غناء عزيزة سلطان وأفلام هوليا عوشار وشريط عاشق السكس -الذي اكتشفنا فيما بعد إنه عاشقًا للساكسفون لا السكس إياه-، في تلك الأيام رأينا هوليا عوشار كاملة وسمعنا عزيزة سلطان لكن لم يرَ أحد منا توبسًا إلا فيما بعد.
-3-
رأيت التوبس للمرة الأولى في الجامعة، بدايات الألفية السعيدة، كان يباع من تحت الترابيزة ولم يكن احتل مكانه الأثير فوقها بعد، كان نزيلًا مخفيًا مثله مثل الفوط الصحية، وكانت أنواعه رديئة مؤذية، ولم يكن غير اسمه بعد.
في تلك الأيام انتشرت عادة أن يشتري المراهقون توبسًا لممارسة العادة السرية به، وسرت معلومة تم التعامل معها بوصفها حقيقة راسخة إن الجِل الملين داخل التوبس هو نفس السائل داخل عضو المرأة، في تلك الأيام كان لنا العذر أن نصدق ذلك، كنا بلا خبرات لم يلمس أغلبنا عضو امرأة، كان العضو الأنثوي بالنسبة لنا خيالًا سينمائيًا مثله مثل عضلات ڤاندام وحركات جاكي شان وفأر ميكي ماوس ومؤخرة زيزي صاحبة بطوط.
-4-
في العقد الأخير حصل الواقي الذكري على اسمه الجديد مثلما حصل السوتيان على اسمه، صار الكلوت پانتيز وصار اللباس بوكسرًا وصار التوبس كوندمًا.
في العقد الأخير غادر الكوندم مكانه أسفل الترابيزة ليباع في كل الأماكن on the counter  مثله مثل منتجات الصناعة الجنسية كلها، جِل المداعبة بطعم الموز والفراولة والنعناع، معطر الأعضاء برائحة البلوجوب، صار الكوندم أشكالًا وألوانًا وأحجامًا، "أبيض .. فضي ... أحمر .. أزرق أحمدك يا رب"، دخل جيلنا عصر الوفرة الكوندمية من أوسع أبوابه بعد أن جرب أسوأ الأنواع الهندية والصينية وحصل بسببها على التسلخات الأشد إيلامًا.
-5-
بالأمس مارس اثنان من مواليد 1990ات سخرية باستخدام الكنادم -والكنادم جمع تكسير لم يجزه المعجم بعد- مارسا تلك السخرية في عصر الوفرة الكوندمي، سخرية بنت عصرها تمامًا، فلم يكن من الممكن قبل 10 سنوات فقط الحصول على تلك الكمية من الكنادم ونفخها، فعل النفخ في حد ذاته هو ابن عصره، ابن النصائح الجنسية الحديثة المرشدة لنفخ التوبس/القبوط/الكوندم قبل لبسه، صار الكوندم بالون احتفال مملوء بالهواء بعد أن كان بالون انتهاء مملوء بالماء الذكري.
مست تلك السخرية البريئة مناطق حساسة لدى أنصار دولة المارشال، أولها منطقة تعاملهم مع الجنس، فأنصار الدولة جميعهم مهووسون بتلميحات النصب والانتصاب، هوس الفحولة محرك رئيسي في الهجوم على المعارضين وتعريتهم والرغبة في اغتصابهم وفشخهم معنويًا وحرفيًا، وثانيها الطعن في الإخلاقيات الأبوية الهشة التي تستخدم دومًا لقمع الأصغر والأضعف، تلك الأخلاق التي ممكن هزها ببالونة مطاطية.
لكن تلك السخرية، وهذه ثالثة الأثافي، تمارس فعلًا أساسيًا مخربًا -بالنسبة لأنصار الدولة- هذا الفعل هو تحويل الاستعمال، فالتوبس أو الكوندم هو مجرد غطاء مطاطي للعضو الذكري مثله مثل الغطاء الطبي للأصبع، تحويل الاستعمال مقلق جدًا عند أنصار الدولة الوهمية، فالدولة الحديثة نفسها مجرد استعمال متعارف عليه ممكن ممارسة أفعالها خارجها -أفعال الدولة خارجها تسمى إرهابًا كما تعرفون- والشرطة ليست سوى يونيفورم لامع.
تحويل الاستعمال مقلق جدًا فهو يلمح لوهمية الدولة ووهمية المؤسسة، فلو عرف الناس إن البالون هو مجرد كوندم لربما أدركوا ولو من طرف خفي إن المارشال هو الآخر لا يملك الحياة والموت، لو أصبح البالون كوندمًا فاللباس أيضًا صار مارشالًا، فمثلما نفخ الساخران الكوندم ليصير بالونًا نفخ أنصار الدولة اللباس فصار مارشالًا.


الفارق الوحيد عندهم هو في صاحب الحق في النفخ لا في النفخ نفسه.

الأحد، 24 يناير 2016

بلا دية ... بلا ثمن

بلا دية ... بلا ثمن

"الشعب يريد إسقاط النظام"
لكن النظام لا يسقط
إنه يستمر ويستمر ويستمر
يجدد دماءَه بدماء ضحاياه، ودماء لم يقتلها.
يغير النظام وجوهه التي رحلت أو ماتت أو توارت في الظل، ويُسكن البعض الآخر مساكن المعارضة القديمة، ليلعب لعبة وجه العملة وقفاها.
النظام يعيد تقسيم دوائر المجتمع، يعيد بناء الحواجز، ويسمح بمساحات بينية ضئيلة، تشبه الشقوق بين أحجار الأسوار، ليتحرك عبرها الباقون على قيد الحياة خارج الزنازين.
منذ نصف قرنٍ وبضع سنوات، غضب النظام على اليسار، فدجن البعض وأسكن الكثير فسيح زنازينه، كان الرفاق يجلدون والرفاق الآخرون يكتبون شعرًا وفنًا ومسرحًا وأدبًا بالجملة، بعد أعوام سيتغنى كل اليسار بقدرته على العطاء (الثوري) حتى في لحظات المحن.
النظام يسجن ويُسكن، يسجن البعض في زنازين الذين ظُلِموا ويُسكن أصدقاءهم مساكن الذين ظَلَموا، ليبكِ أصدقاء الأولين عليهم ويختصرون (الثورة) في الدفاع عن أصحابهم.
النظام يحول الثورة إلى أدب غير ضار، ويفتح الأبواب ليشكل فقاعات الثقافة المُجملة للقمع، في المقابل يموت آخرون بلا دية أو ثمن، يموتون دون أن يبكيهم أحد.
بعد خمس سنوات يصير معارفنا السابقون وجوه داخل النظام، تتغير الكروش الوارمة الجالسة على مقاعد المؤسسات ليصير فوقها أصدقاء الأمس، بعد 10 سنوات سيتغنى الجميع بالمنجز الثقافي، المنجز الذي يعني نجاح النظام في تحويل الضغط المتراكم إلى فن وديع كقطٍ مخصي في ليالي الشتاء.
النظام يحول الثورة إلى علبة مناديل، إلى مفرش بألوان العلم، إلى بطانية وطنية، إلى كارت الشهداء بجنيه، إلى رواية بست سِلّر، إلى مشروع خيري، النظام يحول الثورة إلى مجرد تسمية رومانطيقية وذكرى يتطوح فيها الدروايش على مواقع الشبكات الاجتماعية، النظام لا يخشى تلك الأشياء كلها.

خارج حدود النظام يوجد آخرون بلا وجوه، لا دية لهم ولا ثمن ولا ذكر، رأيناهم لحظات عابرة ثم اختفوا، يحيون خارج قواعد النظام، ربما يقلبون النظام على رؤوس الجميع في يومٍ قريب.