الخميس، 21 مارس 2013

أحبك - ماريو بِنِديتي


أحبك
ماريو بِنِديتي

يداك هما مسي
تذكرتي اليومية
أحبك لأجل يديك
تعملان من أجل العدالة

لو أني أحبك فذلك لأنك أنت
حبي، شِركي، وكل شيء
في الطريق ذراعٌ بذراع
نحن أكثر بكثير من مجرد إثنين

عيناك رقيتي
ضد يوم ملعون
أحبك من أجل نظرتك
التي ترى وتغرس المستقبل

فمك لك ولي
فمك لا يكذب
أحبك لأجل فمك
يعرف كيف يهتف ثائرًا

لو أني أحبك فذلك لأنك أنت
حبي، شِركي، وكل شيء
في الطريق ذراعٌ بذراع
نحن أكثر بكثير من مجرد إثنين

ولأجل وجهك النقي
ولأجل خطوتك الهائمة
ولأجل بكائك من أجل العالم
لأنك من البشر الذين أحبهم

ولأن الحب ليس هالة
أو حكاية رمزية
ولأننا زوجان
يعرفان أنهما ليسا وحدهما

أحبك في فردوسي
وأحكي أنه في بلدي المثال
يحيا البشر سعداء
دون إنتظار أذن أو سماح

لو أني أحبك فذلك لأنك أنت
حبي، شِركي، وكل شيء
وفي الطريق ذراعٌ بذراع
نحن أكثر بكثير من مجرد إثنين.

ترجمها إلى الإنجليزية:  نينا سيرانو.
ترجمها عن الإنجليزية: ياسر عبد الله.

هايكو - ماريو بِنِديتي


هايكو
ماريو بِنِديتي

كم أود رؤية
الأشياء كلها من بعيد
لكن بصحبتك
*
منذ العهد القديم
السماء والعاري
يمارسان الخطيئة معًا
*
غموض بالإجماع
يبقى قنديل وحيد
يسأل المساعدة
*
في النهاية
الموت مجرد علامة
إنه كان هناك حياة
*
وحده الخفاش
يفهم العالم
لكن بالمقلوب
*
في العقل
الشكوك الوحيدة التي تدخل
تلك التي تملك المفاتيح
*
حين جمعت معًا
ليالي أرقي الكاملة
رحت في النوم

ترجمها إلى الإنجليزية : كارلوس ريِس.
ترجمها عن الإنجليزية : ياسر عبد الله.

يوتوبيات - ماريو بِنِديتي


يوتوبيات

كيف لي أن أؤمن / قال الرجل
أن اليوتوبيات لم تعد هناك

كيف لي أن أؤمن
أن الأمل ذكرى
أن المتعة محض شيء حزين

كيف لي أن أؤمن / قال الرجل
أن الكون مجرد هباء
حتى لو كان حقيقيًا
أن الموت صمت
حتى لو كان حقيقيًا

كيف لي أن أؤمن
أن الأفق هو الحدود
أن البحر لا أحد
أن الليل لا شيء

كيف لي أن أؤمن / قال الرجل
أن جسدك / فتاة
هو لاشيء أكثر مما أستطيع لمسه
أو أن حبك
ذلك الحب البعيد الذي تبقيه لي
ليس أكثر من جَلاء عينيك
أو سَكِينة يديك

كيف لي أن أؤمن / فتاة جنوبية
أنكِ محض ما أرى
أو أَمَس أو أَلج

كيف لي أن أؤمن/ قال الرجل
أن اليوتوبيا لم تعد موجودة
لو أنكِ / فتاة حلوة
جريئة/ أبدية
لو أنكِ / أنتِ يوتوبياي.

ترجمة : ياسر عبد الله (عن الإنجليزية)

الأربعاء، 20 مارس 2013

الثورة والجدران


الثورة والجدران

فيالشهر الرابع من العام الثاني للثورة المصرية (أبريل 2012)، يتفق جمع ما على هدم جدار حجري بُني في القصر العيني، أصل متأخرًا كعادتي، تقودني الصدفة للوقوف على الطرف الأيسر من كابل كهربي مربوط بإحدى حجارة الجدار، أمامي مباشرة، لا يفصلنا سوى حد وهمي من سواد الكابل فتاة لم أرها من قبل، ألحظ إن يديّ مجاورتان ليديها على نفس الخط المتخيل، أتذكر أنها فتاة فانسحب للخلف، فيما بعد سأرى تلك الفتاة مرة أخرى، دون أن أفكر حتى في إلقاء السلام عليها.
ربما لم تكن العلة في الجدار الحجري، المتجسد القائم بالفعل، الذي حاولنا هدمه سويًا، ربما كانت العلة في جدار آخر، واحد من جدران عديدة متخيلة بنيناها لتفصل ما بيننا، يكتب غوستاف لانداور عن الدولة، أو النظام(السستم بحسب خطاب الرفاق في مجموع راديكال بيروت) كشرط، كحالة جمعية، فالدولة/النظام/السستم، بحسب لانداور، هي نحن، نحاول هدمها ونحن نبنيها في الوقت ذاته.
الجدار الأول: ممنوع الاقتراب أو التصوير:
ربما لن ينس المشاركون في انتفاضة يناير، التي أطاحت بالجنرال العجوز مبارك من على كرسي الحكم وبدأت الثورة المصرية، مشهد نزول الجيش إلى الشارع للأبد، في السادسة من مساء عاصفة الثامن والعشرين من يناير 2011، يأمر الجنرال جيشه بالنزول للوقوف كجدار عازل بين دولته وبين الثورة التي كانت في مهدها.
نزل الجنود لكنهم لم يتعاملوا طبقًا للتصورات الكلاسيكية المكتوبة في تاريخ الثورات، لم ينشق الجنود والضباط عن قيادتهم، لم يتآخوا مع الثوار ويخلعوا ملابسهم الرسمية لينضموا لصفوف الثورة، حتى التنحي سيظل الجنود ومركباتهم العسكرية جدارًا وهميًا حول الميدان، سيحول الزي الرسمي الكاكي الميدان إلى منطقة لها جدران شفافة لكنها عازلة، إلى مستنبت زجاجي ينبت فيه نبتٌ تحت المراقبة والاختبار.
يكتب مارتن هيدغر عن الزي الرسمي الموحد والغرام به كمحاولة من العائشين في العالم المتشظي لتلمس صورة واحدة متناسقة، يخلق الزي الموحد Uniform وحدة النسق Uniformity يخلقها كجدار ذي لون واحد، كاكي يرتدي بيادات، الكثيرون الذين سخروا من خطاب شفيق عن البونبون لم يدركوا أنهم يجلسون في صوبة ذات جدران زجاجية بوضع أشبه بالبونبون المغلف، سيُبنى هذا الجدار عبر الاختلاف في الزي والدرجة، سيكون الهتاف "الجيش والشعب إيد واحدة"، حيث يقدم الجيش باني وحامي الجدار على الشعب العائش في الجدار، وبعد التنحي سيهدم الجيش هذا الجدار على من تبقى من الشعب وخرج عن نص الاتساق الموحد بصحبة موسيقى تصويرية من هتافات "الشعب يريد إخلاء الميدان".
الجدار الثاني: ويسألونك عن الاحتجاجات قل هي فئوية:
قبل التنحي مباشرة، تنطلق شرارة الاحتجاجات العمالية، العامل ذلك الكائن المجرد في كتابات اليسار التقليدية، وبسبب من هذا التجريد نفسه، يمارس احتجاجه المعيشي على حذر، هو يعرف جيدًا إن صاحب العمل قادر على طرده في لحظة، يعرف جيدًا أن عيشه يقطع بجرة قلم، ويعرف جيدًا أن الأفندية الذين جردوه لن ينفعوه.
بعد التنحي، يهتف الجمع للعمل، الجمع الذين اعتبروا بصورة أو بأخرى أن غاية الثورة رحيل البقعة السوداء التي تشوه صورة المثال، الجمع الذي أنتج الكيتش القائل إن الثورة تبني وتهدأ، سينشق العمال عن الجمع، سيخرجون عن الجسد الثوري الموحد، سيبني حولهم جدار عازل، قوامه الاختلاف في الطبقة، الطبقة التي لا تستطيع أن تجوع فترة أطول، فيصمها الباقون بالفئوية.
الجدار الثالث: تعال نهدم الصلبان:
أثناء استنبات النبات في صوبته الزجاجية، في الاعتصام الأول السابق على التنحي، كيتش الثورة بوصفه النفي المطلق للخراء وفخرها الأزلي، تنتشر الصور، معتصمون يصلون وحولهم جدارٌ وهمي، جدار عليه صلبان منقوشة على الرسغ.
قبل أن تتم الثورة شهرها الأول سيهدم البعض هذا الجدار في دهشور، الثورة التي لم تكسر ثنائية الدين، لا تستطيع أن تحمي جدران مكان للتعبد، لا تستطيع أن تحمي مبنى كنيسة، لأنها تغاضت عن شيء هام جدًا لتبرز مثالها، لتر نفسها خالية من الخراء مفعمة بطهرانية المثال، صدرت صورة الجدار الوهمي من الصلبان التي تحمي صلاة المسلمين، دون أن تدري أنها تعاود بناء جدار الفصل بين أصحاب الدينين مرة أخرى.
في أكتوبر 2011 سيهدم الجدار الأول الكاكي الجدار الثالث المكون من أجساد حاملي الصلبان على الرسغ، سيهدمه لأن الجدار يعزل النبات ويُسهل اقتلاعه.
الجدار الرابع: يا حادي العيس رفقًا بالقوارير:
لكني انسحبت سريعًا يومها، خشيت وأنا أشارك مع يديها النسويتين هدم الجدار الحجري أن أمسهما، التحرش تهمة جاهزة إذا حدث هذا التماس العفوي، والثورة لتنف عن نفسها فعل الحب، مارست جدارًا عازلًا بين النساء والرجال داخلها، لم تعِ الثورة أهمية كسر هذا الجدار، زادته عبر حمائية الذكور على النساء وإبعادهن عن محيط الاشتباكات.
في الثامن من مارس 2011، في صبيحة هدم جدران كنيسة دهشور، سيكسر حياء ونفس بعض القوارير في ميدان التحرير، ستكون تلك الحادثة العنف الجنسي الظاهر الأول ضد القوارير، ليعاد بناء جدران النوع الجنسي عبر ألف حاجز وحاجز، النساء معزولات خائفات على سلامتهن الجسدية، لا من قتل بل من إهانة وامتهان، ستنسى الثورة وهي تنفي عن نفسها تهمة المعاشرة الجماعية في الميدان أن تهدم جدار الفصل النوعي بين رجل وامرأة، ستكرسه عبر مليون شكل وشكل.
في نوفمبر 2011، في اشتباكات شارع محمد محمود ستدفع النساء بعيدًا فهن لسن جديرات بالمواجهة المباشرة مع جدران السلطة، سيدفعن بعيدًا لحمايتهن ثم سيتم نفي مشاركتهن في الاشتباكات، وبالتالي نفي الرتبة الثورية الكيتشية الصف الأول عنهن، من قبل من نفس من قاموا بدفعهن بعيدًا بدعوى حمايتهن.
السلطة بوصفها جدران عازلة:
لا يلبس الإمبراطور ملابسه، لكن شعبه لا  يلحظ ذلك، يتغزل الجميع في ملابس الإمبراطور حتى تقول طفلة أن الإمبراطور عاريًا، تكسر كلمات الطفلة الجدار الوهمي للسلطة ببساطة وأصالة غير مصطنعة، هكذا يحكي لنا هانز كريستيان أندرسن.
كيف بنى الاعتصام الأول منابره، في الأول من فبراير عشية خطاب "لا أنتوي"، يقف علاء الأسواني على رصيف هارديز، ذات الموقع الذي ستبنى فيه المنصة الرئيسية، ليفند مزاعم الجنرال العجوز ووعوده، على الرصيف لا يفصله عن المستمعين سوى السور الحديدي للرصيف، يبنى جدارٌ وهمي لسلطة الخطاب، جدار شفاف مثل الكلمة، لكنه حقيقيٌ مثل حقيقية حائط المسرح الأرسطي الرابع الفاصل بين الجمهور والممثلين.
كيف تخيل المحكومون حكامهم قبل التصوير والرسم، لنتصور الأمر، الوالي/السلطان/الخديوي في قلعة الجبل، حوله جدار حقيقي، "قصر الوالي طبعًا عالي"، يصدر الفرمانات النازلة من علٍ على رؤوس المحكومين، بعد التصوير ينزل الحاكم لهم، يسكن في مساكنهم عبر صورته، لكنه يزل خلف جدارٍ لا يمس، ولا يرى إلا عبر وسيط، الجدار، جدار القصر، جدار الحرس، جدار المنصة حتى وهو يفتح جاكت البدلة قائلاً "أنا مش لابس واقي" يظل هناك جدار من سلطة الحكم بينه وبين من يروه.
الجدران أكثر عمقًا وأصالة من جدران القصر، تنتج عبر كل ثنائية، الجيش أو الشعب، العامل أو الناشط، المسلم أو المسيحي، الرجل أو المرأة، لا يمكن تصور الجدار دون تصور ثنائية ما ما بين داخل الجدار وخارجه، ما بين أمامه وخلفه.
من الجدار الحجري إلى السور النباتي:
سكننا سويًا، وهدمنا ما بيننا من جدران، لنحل محلها أسوار من نباتات وورود وأزهار، ونهدي بعضنا من ورود السور النباتي، الحاجز سيصبح جزءًا من صداقتنا المتخيلة القائمة على المساواة.
تلك صورة متخيلة، رومانسية لمدينة من مدن القصص المصورة، إنها مدينة البط، التي انعكس فيها حلم البشر في بناء يوتوبيا ما، مدينة البط شفافة بلا جدران، إلا جدار المال، خزانة عم دهب، هي الجدار الأكثر عزلاً فيها القائم أمام الجميع، لا عصابة القناع فقط، بل أمام ابن أخيه بطوط أيضًا.
لنتصور الثورة كمدينة متخيلة، في لحظة ذورة الاشتباك، الشبيهة بذورة الحب، في يوم الثامن والعشرين من يناير، لنتخيل كيف سقطت الجدارن مرة واحدة، سقطت دون أن تُسقط كاملة، لأن الثورة لم تقرأ خرائها جيدًا، ولم تع كيف تهدم الجدران العازلة بين خلايا جسدها.
الجدران معادلة غير مرئية ما بين ضعف السلطة/النظام/ السستم وقوته، تزيد وتنقص لكنها دون استمرارية هدمها، ستظل قائمة ومتجددة.



الأربعاء، 13 مارس 2013

الثورة بين المنبر والمبولة


الثورة بين المنبر والمبولة
المنبر والمبولة :
ثلاث مشاهد لا تفصلها إلا سويعات قليلة تحدث في مكان واحد في يوم واحد، الأربعاء 9 فبراير 2011، أثناء اعتصام التحرير الأول (النفي المطلق لخراء الثورة كلها).
مشهد أول : على منصة الإذاعة الشعبية أمام مقهى وادي النيل يمسك الرفيق سامح عبود بمكبر الصوت ليلقِ كلمة مرتجلة عن عدم كفاية الاعتصام كفعل ثوري وضرورة تطويره عبر لجان شعبية منتشرة في كل الجمهورية تمارس السلطة المباشرة، تحت المنصة يقاطعه شخص، بعنف يصرخ قائلاً "مفيش حاجة هتحصل غير لما مبارك .. يمشي يمشي يمشي"، ويبدأ في ارتجال هتاف، لا أفهم سر عداء الرجل المفاجئ تجاه سامح، أسكته بصوتٍ عالٍ، بعد انتهاء المشهد أدرك المسألة، لقد جرح سامح بكلمته عن عدم كفاية الفعل كرامته الثورية، لا يتصور الرجل أن للاعتصام (الثورة بحسب التعبير المتداول وقتها) خراء ومساوئ.
مشهد ثاني: على منصة التحرير الرئيسة، منصة هارديز كما يعرفها الجميع، تقف فتاة وتصرخ بصوتٍ عالٍ "الميدان دا اتقتل فيه ناس مش جايين ترقصوا وتغنوا فيه"، أسمعها وأعلق داخلي بجملة إيما غولدمان "إن لم أستطع الرقص فتلك ليست ثورتي"، لكن تلك الفتاة لم تسمعني ولم تهتم، كل ما هم قولها وعقلها أن تنفي أن للثورة فعل آخر غير خلق المثال، تعلو الفتاة المنصة لتعلي من قيمة المثال، المثال هو النفي المطلق للخراء والسوء والفضلات، المثال لا يحتمل أن يكون به أشياء مبتذلة عادية كالرقص والغناء والسمر، لا يحتمل سوى الصعود على المنبر وتكريس المثال ونفي الخراء.
مشهد ثالث: في الجزيرة الوسطى أمام الكعكة الحجرية، حمامات مرتجلة مصنوعة من خشب ربما كان من بقايا أخشاب المنصة، لا يقع بعيدًا عن المنصات/المنابر التي تعلي من قيمة المثال وتنفي الخراء، في الشكل الأولي للدولة يبدأ البشر ببناء المسكن الخيمة والمنبر المنصة والحمام مقر تجمع الخراء.
في المسجد/الكنيسة/المعبد يعتلي الخطيب/الأب/الحبر المنبر ليخطب عن المثال، عن الفضيلة ونفي الخطيئة والخراء، في أحد أطراف المسجد/الكنيسة/المعبد يقع الحمام، النفي المطلق للفضيلة والمنتج الأساسي للخراء، وبينهما يجلس جموع المصلين/ الشعب.
في الميدان يعتلي الخطباء المنصة/المنبر ليتحدثوا عن الثورة المثال التي لا تقع فيها الخطيئة ولا تنتج الخراء، في طرف الميدان يصنع المعتصمون الحمامات ليمارسوا فيها الخراء، بين المنبر والمبولة تقع خيام الشعب الثائر.
الكيتش يفسر الأشياء:
في لحظة تتقارب السماء والأرض، يقع المنبر في المبولة، يتجادل ابن ستالين الزعيم المفدى، القائد الأسطورة والضرورة، بخصوص الخراء في حمامات المعسكرات النازية، يقول له الضابط الألماني أن عليه أن يمسح خراءه، فيسقط عالم المثال، يلقي ابن ستالين بنفسه على الأسلاك الشائكة المكهربة ويموت (ميلان كونديرا – خفة الوجود التي لاتُحتمل).
لا يقتل ابن ستالين نفسه عند وقوعه في الأسر، يقتل نفسه عند اضطراره بالقوة للتعرف على خرائه الخاص، المثال يجرحه الخراء، والنظريات التي تعتمد على تجريد المثال تجرده من كل خراء ممكن، يكتب كونديرا "كلمة كيتش في الأساس هي نفي مطلق للخراء" ويكتب أيضًا في مقال حول كلماته المفضلة حول حاجة الإنسان الكيتش للتعرف على نفسه في مرآة الكذب المجملة، حاجته لتجريد نفسه عن من حوله ونفي أي خراء محتمل.
صدمة الإنسان الأول حين اكتشف خراءه، حين اكتشف أن التفاحة التي أخرجته من فردوسه تتحول إلى قطعة بنية اسطوانية رخوة، وحين اكتشف إن الطعام الشهي يتحول إلى خراء داخله، الإنسان هو المنتج الوحيد للخراء الإنساني، لذا ينفيه دائمًا ويسعى إلى دفنه مثل القطط، وينفي أن يكون هذا الشيء صدر عنه، لا ينتج الخراء الإنساني إلا عن الإنسان، الطعام جميل المنظر ما لم يمسه فم بشري.
المناضل المثال لا يذهب إلى المبولة:
في الأسبوع الثاني من اعتصام التحرير الأول يخرج علينا صاحب الفيل في المنديل قائلاً "الميدان طبل وزمر وعلاقات جنسية كاملة"، أتوقف عند الطبل والزمر لأجد المنطق المحرك نفسه لخطيبة منصة هارديز، لا تصلح ثورة المثال بطبل وزمر ورقص.
النفي اللاحق لعبارة صاحب حاحا وتفاحة يقع في نفي الفعل نفسه، لا يمارس الثوار الجنس، وليس لديهم أعضاء جنسية تنتج الخراء، لنتخيل المناضل المثال غيفارا بعد خطبة عصماء يجلس على قاعدة الحمام ليخري أو يقف على المبولة مشلحًا بنطاله يتبول، لنتخيل الزعيم الكاريزما جمال عبد الناصر بعد خطبة تأميم القناة مصابًا بالاسهال، أو بعد خطبة هنحارب هنحارب خالعًا ملابسه، عاريًا ينادي على أم خالد "ارفعي رجليكي يا مزة"، الجنس مثل الخراء فعل سري لا يصلح تخيل الثائر المثالي وهو يمارسه، لا عجب أننا نكشف في الجنس عن أعضاء لا نكشفها إلا أثناء فعل الخراء أو أثناء نفي الخراء والاغتسال منه.
الثائر المثال كنفي مطلق للخراء:
بعد التنحي وإنجاز مهمة المثال كان علينا الاتحاد جميعًا بالمثال، من هنا تم توزيع بنود المثال، "ابدأ بنفسك .. احلف .. مش هأرمي زبالة تاني في الشارع .. مش هأعاكس .. مش .. مش"، أقسم أن أصبح مثالًا، فالثائر الحق لا يتبول ولا يعاكس، فالثائر المثال لا يملك أعضاءً جنسية تخرج فضلات وخراء.
تسقط الثورة في فخ مثالها، في رغبة البشر المكونين لجسدها المتخيل في شيطنة الآخر ونفي خرائهم الشخصي، تتحول إلى فعل داخلي، ابدأ بنفسك لا تشكل مشكلة إلا حين تتحول إلى فعلٍ ضمائري سيسقط في فخ التدين المؤسسي، طالما لم تنجز ثورة إصلاح ديني تعتبر إن الضمير شأن شخصي وخاص مثله مثل الخراء والجنس، لكي تبدأ بنفسك عليك أن تتعالى على خرائك، لا أن تعالجه، النفي المطلق للشيء يعني دفنه وإنكاره، ينكر الثائر المثال كل مساوئ فعله، ليس بالميدان تحرش هناك إرهاب جنسي من فلول النظام، يجيب الثائر المثال، لم يدخن أي معتصم حشيش داخل الخيم، يجيب الثائر المثال، لا يمارس الثائر الجنس خارج الزواج التقليدي، يقسم الثائر المثال، لا يشرب الثائر الخمر، (فالخمر منتجة للقيء الأخ التوأم للخراء)، يسقط الثائر المثال في فخ المثال، ومن أجل المثال ينفي كل ما عداه، يضع الواقع على سرير بروكرست اللص الأغريقي الذي كان يقطع أرجل الناس إن لم تناسب سريره، على الواقع أن يكون مثالي، فالمجتمع عظيم ويكفي إزاحة مبارك الخراء لكي نعيش في الفردوس، والشعب طيب ولا يجب سوى إزاحة الإخوان ليخرج المصريون أجمل ما فيهم بعد تطهرهم من خراء الإخوان.
يوم التاسع من فبراير 2011 لم أكن قد عرفت بعد مصطلح  "ميكروفاشية" المستخدم من قبل دولوز وغواتاري، لكني حين عدت إلى منزلي كتبت تأملاتي حول فاشية محتملة، ستنشأ من رغبة الثائرين الرومانسيين في نفي خرائهم ودفنه.

على الثورة الاعتراف بخرائها لتخرج من فخ فاشية المثال.