الجمعة، 5 ديسمبر 2014

عن الردح وقاموسه، في نقد مقال وليد فخري ومنهجه الاستسهالي

عن الردح وقاموسه
في نقد مقال وليد فخري ومنهجه الاستسهالي
ياسر عبد الله

بتاريخ 2  ديسمبر (كانون الأول) 2014 نشر موقع رصيف22 مقالًا يحمل عنوانًا طموحًا، (قاموس المشاجرات الكلامية الشعبية في مصر)، وهو طموح ربما يتجاوز حجم المحتوى نفسه وقدرة كاتبه وليد فخري، فالقاموس لغة هو "البَحْرُ أو أَبْعَد مَوضِعٍ فيه غَورًا، وجرى استخدام الكلمة، بعد أن جعلها الفيروزأبادي عنوانًا لكتابه (القاموس المحيط)، استخدامًا مجازيًا للدلالة على كل معجم أحاط ببحر اللغة، وهو ما يتجاوز بالطبع قدرة مقال سريع، يُقرأ على طريقة "اقرا واجري"، أما عن المشاجرات الكلامية الشعبية التي قرر الكاتب أن يحيط بقاموسها، فهي واسعة ومتشعبة ويدخل فيها أبوابٌ كُثُر، منها القافية والهجاء بالموال والتلاسن وغير ذلك، ولا تقف عند الردح الذي قرر الكاتب الابتداء به، ربما لأغراض سينمائية تثير خيالات زرعها الحسنان، حسن الصيفي وحسن الإمام، في أفلامهما التجارية.
ينتمي المقال ومنهجه لموضة سائرة، تقليعة تحويل مشاركات المنتديات وكلام المقاهي و"ما قال لي وقلت له" إلى مقالات خفيفة، مقالات تتحدث عن العادات والتقاليد الشعبية بنفس منطق اكتشاف مراهقي المدارس الثانوية لها، وإن كان ذلك مقبولًا كحكي مصاطب وحواديت مسلية فليس مقبولًا كمقالات تمتلك سُلطة ما على تأسيس مرجعية مستقبلية محتملة. تعتمد تلك المقالات على ترديد حكايات سائرة دون سند، أو إغفال سندها وتحويره إن وجد، وتخلط ما بين الشفاهي والمدون خلطًا شنيعًا تحت إدعاءات جمة من بينها الإدعاء الأشهر والأكذب عن عدم قياسية العامية المصرية وبالتالي عدم قياسية التقاليد الشعبية وكونها خارج التسجيل، وهو إدعاء جاهل، فالعادات والتقاليد والتعابير المصرية مسجلة في محاولات عديدة وقديمة، إما كتآليف ساخرة جمع فيها أصحابها طائفة من الأقوال والمشاهدات مثلما فعل علي بن سودون البشبغاوي (المتوفي سنة 1464م) في كتابه (نزهة النفوس ومُضحك العبوس)، أو كتب جمع فيها أصحابها الأمثال بغرض الدراسة العلمية، يذكر في هذا الباب جهود مستشرقين مثل لويس بوركهاردت وكتابه عن الأمثال المصرية المنشور عام 1818، ولحق بتلك الجهود الاستشراقية جهود مصرية في القرن العشرين نذكر منها كتاب أحمد تيمور عن الأمثال الشعبية ومعجمه الكبير للعامية المصرية وكتاب أحمد أمين عن العادات والتقاليد والتعابير المصرية، الذي ينقل منه كاتب المقال دون ذكره كمرجع.
يبدأ المقال بفقرة تهيئ متلقيه لما سيسمعه، فقرة من الردح السينمائي، ثم يردفها بقوله "متابعو الدراما المصرية كثيراً ما يسمعون العبارات السابقة وما شابهها في مشاهد مشاجرات النسوة"، وهو ما يحدد منهجه ومرجعيته، الدراما المصرية كمرجع للعادات والتقاليد، وهو مرجع زائف، لأن الدراما المصرية دأبت على تنميط الأحياء البلدية، حسب الاسم المستخدم ما قبل أربعينات القرن العشرين، لتقديمها لمتفرج فرنجي أو متفرنج من البرجوزاية المدينية التي سكنت الأحياء الكولونيالية الحديثة مثل مصر الجديدة والزمالك، وهو تنميط لحقه، فيما بعد قيام نظام يوليو 1952، تنميط آخر مختلف، قوامه تخلف العهد البائد، تمثل ذلك في الحبرة واليشمك والملاءة كملابس للحارة المصرية، وجدعنة ولاد البلد ودمهم الحامي، وهي كلها صفات تعتمد منهج التنميط الكاريكاتيري، بالنفخ في ثيمات موجودة وسط أشياء أُخر وإلقاء الضوء المبالغ عليها حتى تحتل المشهد بأسره، كان هذا ولا زال النهج المتبع في الدراما المصرية، التي يبدو إن الكاتب اختارها مرجعية له، وهي مرجعية مليئة بالمهاترات والخلط التاريخي، وخاصة عند مؤلفين معاصرين مثل أسامة أنور عكاشة، وملحماته الطويلة كليالي الحلمية، التي يضع فيها مقاهي عشرينات القرن العشرين بعوالمها ومطربيها وتخوتها في أربعينات القرن نفسه.
ثم يبدأ الكاتب في سرد مدخلاته دون الرجوع لأي من كتابات السابقين عليه، ودون ذكرهم لو  رجع إليهم مثلما أغفل ذكر كتاب أحمد أمين حين ذكر "فرش الملاية"، ويدمج الكاتب المنقول المتداول بتخميناته الخاصة، فالمنقول المتداول عن تعبير "يا عمر" وربطه بالفاطميين لم يثبت عليه دليل ما، وما ذكره الكاتب هو تفسير يجهل طبيعة العصر الفاطمي نفسه وطبيعة المذهب الإسماعيلي كمذهب باطني، وطبيعة القاهرة الفاطمية التي بُنيت كحصن للطبقة الحاكمة لم يختلطوا فيه كثيرًا بالعامة الذين سكنوا مصر العتيقة كالفسطاط والقطائع، ولم يجبروا العامة على اتباع مذهبهم الإسماعيلي، وهو ما أفاض في شرحه محمد كامل حسين في كتابه عن أدب مصر الفاطمية، ثم يرتكب كاتب المقال خطأً دالًا فيذكر المَرَا بالألف بدلًا من التاء المربوطة، وهو خطأ يدل على مدى علم الكاتب بقواعد الاشتقاق والتخفيف في العربية وعامياتها، فمن المعروف أن المرأة تخفف كمَرة وهو ما يعني خلو اللفظ المخفف من أي ألف مد، إلا إذا كانت ثقافة الكاتب إسبانية وقرر أن ألف المد هي علامة التأنيث مثل maestro y maestra، ثم يذكر مثلًا شعبيًا عن القحبة، وهي غير العاهرة، التي ترازيك وتجيبه فيك دون أدنى علاقة بما يحكي عنه، ولا أدرى هل قرر الكاتب جمع أمثال المشاجرات أم تعبيراتها أم الحكي عنها أم ماذا.
غير أن الكاتب لم يكتفِ بكل تلك النقائص، فقرر أن يزيد الطين بلة ويختم كمن طبخت طبيخًا فاستحسنته فتبلته بتراب، فاتحفنا، ربنا يكرمه، بتأثيل مبتدع ما أنزلت المعاجم به من سلطان للفظة شوباش، قرر حضرته أن شوباش هي تماثيل مصرية قديمة كانت توضع في قبر الميت، وهو منهج في التأثيل اللغوي المتداول في منتديات الإنترنت، يرد كل لفظة عامية لأية لفظة مصرية قديمة محتملة، علمًا بأننا إلى الآن لا ندرى على وجه اليقين حقيقة اللفظ عند المصريين القدماء وذلك معلوم عند دارسي المصريات لا عند رواد وكاتبي المنتديات، وإذا كان كاتب المقال ينتمي لهذا المنهج التأثيلي الحلمنتيشي فالأولى أن يعرف إن تلك التماثيل المعنية التي تدفن مع الميت لا تحمل أصلًا اسم شوباشي بل هي الأوشابتي Ushabti ، وهو ما كان سيعرفه كاتب المقال ببحث بسيط على محرك بحث، بكبسة زر كما يقولون.
بكبسة زر كان سيعرف الكثير لو أنه تابع مجهودات الباحثين في تأثيل الكلمات المصرية، فيذكر معجم تيمور الكبير الكلمة ويردها إلى شادباش العثمانية التي تعني تهاني، فالكلمة لم تستخدم في بدئها للردح، بل كان لها استخدامًا أصيلًا تحور بعد ذلك، لو كان كاتب المقال كلف خاطره لعرف أن شوباش تستخدم في محل "سمع هس هنحيي العريس" ونظرًا لانتشار الكلمة في وسط الآلاتية والعوالم، والعالمة هي المغنية التي تغني للحريم في الأفراح وهي غير الغازية التي ترقص في الشوارع والموالد على رغم الخلط الشائع بين الكلمتين، تم استخدامها فيما بعد في الأحياء الشعبية في المشاجرات الكلامية في محل "سمع هس هابهدل اللي قدامي"، لكن الاستخدام الأصلي لم يزل موجودًا ومسجلًا ومشتق منه ألفاظًا في دارجات مناطق مصرية عديدة منها أسوان، التي ذكر أحد الأصدقاء عند مناقشة المقال معه، أن كلمة "هنشوبش على العريس" تستخدم لتحية العريس بكلمات مسجوعة تبدأ ب"الورد كان شوك لكن من عرق النبي فتح".
هذا وقد أغفل المقال أشياء كثيرة لا زالت حية في ذاكرة ردح النسوان، مثل الوصف بالإبرة للدلالة على المرأة النحيفة، يوم كانت السمنة دليل عز، حسبما يذكر أحمد أمين، وربما تم إردافها بيا مصدية لزيادة الإهانة، وتعبير "يا مرة يا مُكنسة" الذي كان يستخدم كثيرًا في الاسكندرية، والمُكنسة هي المقشة المستخدمة في كنس التراب.  ربما كانت الحسنة الوحيدة التي اكتسبها كاتب المقال، الذي مزج ما بين الحكايات المتداولة واتبع منهج "ما قال لي وقلت له"، هو إثارة أعصابي، كأحد المهتمين بتأصيل التقليد الشعبي وتأثيل كلماته، للرد عليه وفضح هذا المنهج الاستسهالي للحديث عن تقاليد الشعوب، فهو مقال من مقالات "خُد واجري" و"ما قال لي وقلت له" المتداولة عن تقاليد وعادات وتعابير مصرية حية ولم تمت رغم تناسيها.
4 ديسمبر 2014

*تم التنسيق باستخدم الخط الأميري الصادر حسب نسخة المُشاع الإبداعي

تحديث بتاريخ 5 ديسمبر 2014: رفض موقع رصيف 22 نشر الرد وتحججت إدارة الموقع بسببين أولهما عدم قدرتهم على نشر نقد مقال كمقال وثانيهما –وهو السبب الحقيقي على الأرجح- إن مقال السيد وليد فكري المغلوط تجاوزت عدد زياراته ال 200 ألف قارئ، حيث أن من الواضح إن مثل هذه المواقع تفضل الترافيك على الحقيقة.

الخميس، 4 ديسمبر 2014

قطط الليل اللي من غير ديل

قطط الليل اللي من غير ديل
تعبير شعبي :
كانت أمي كلما أغمضنا عيوننا وتأهبنا إلى النوم تتحقق من وضع الغطاء حول أجسادنا الصغار، سواء كان الغطاء كوڤرتة الصيف أو بطانية الشتاء، ثم تودعنا إلى عالم الأحلام بعبارة أثيرة عندها "تصبحوا على خير تصبحوا قطط من غير ديل"، وكنت أتخيل نفسي كل ليلة مستيقظًا في صُبحي كقط أزعر، ولم أدرِ وقتها هل تعمدت أمي هذا الإرداف لمجرد غواية السجع أم أنها كعادتها لم تسل نفسها عن السبب، مكتفية بالرواية عن مجاهيل دعتهم "الناس اللي قبلنا".
ذكريات عائلية:
عبر السنين التالية تواترت إلى مسامعي حكايات كثيرة عن قطط الليل، بداية بالنهي عن ضرب قط الليل خشية أن يصيبك بدعائه أو يكون ملاكًا يطلب الصدقة فتنهره فينهرك عند ربه فُتفشخ فشخة المشدودة بين حبلين في فيلم فجر الإسلام، أو يكون شيطانًا، فالقطط حيوانات ماكرة منها الملائكة ومنها الشياطين ومنها ما دون ذلك؛ غير أن أغرب الحكايات لم تصلني من فرع والدتي من شجرة عائلتنا، ذلك الفرع الحامل لتراث القاهرة القديمة بحكم سكنهم الدرب الأحمر منذ القرن التاسع عشر، بل وصلني عن طريق فرعي الآخر، فرع والدي، حامل المزيج من حكايات الصعيد وحكايات ضواحي المدينة في بداية منشئها في أوائل القرن العشرين.
حكاية:
عن والدي عن أمه أنها حكت عن جارة لهم كانت تسعى كل صباح لتبحث عن ضاربي القطط بالليل، لأن ابنًا من ابنيها التوأمين صحا من نومه مضروبًا على رأسه بشبشب، كان تسعى كل صباح باحثة عن ضاربي القطط حتى غاب ابنٌ من ابنيها، صحت من النوم فلم تجده فسعت تبحث في كل دروب وحارات عزبة المسلمين في مصر الجديدة في ثلاثينات القرن العشرين عن قاتل قط الأمس فهو قاتل ابنها، ولم تجده وبعد أيام لم يجدوها هي نفسها.
حدث هذا في أيام بعيدة، ويحلف والدي بحلفانات المسلمين وغير المسلمين ويجزم بصحة الحكاية كما سمعها من والدته، ويحلف كذلك أنه، حتى اليوم، لا يعرفون مكان أم التوأمين أو مكان ابنها.

الأحد، 30 نوفمبر 2014

عن تزوير –لامؤاخذة- التاريخ

عن تزوير –لامؤاخذة- التاريخ

بعد صدور الحكم المتوقع من أي متابع لجلسات محاكمة مبارك المُذاعة واللي تم فيها التركيز على السردية العُكاشية للتاريخ، اللي اتضح بعد كدا إنها السردية الرسمية، كتب أكتر من حد على السوشيال ميديا إن السلطة "هتزور التاريخ"، وكانت فكرة "تزوير التاريخ" الفكرة المحورية والعبارة المركزية السائدة في كلام ناس كتير وخوفهم على ما شاركوا فيه من إنه يُزور، وبرغم إن عبارة تزوير التاريخ وعبارات أخرى زي "التاريخ يكتبه المنتصر" اللي أكيد بالمناسبة قالها منتصر عشان يقول للي اتهزموا "يا ولاد الوسخة حطينا عليكم" مش أكتر، هي عبارات منتشرة وسائدة لكن من السهل، زي أي جملة مركزية، تقويضها وتفكيكها وتوضيح مدى زيفها.
الجمل دي نابعة من خلط شائع ما بين التاريخ نفسه وكتاب التاريخ المدرسي، اللي بيُعد الرواية الرسمية لتربية خدم البيروقراطية، ممكن ترجعوا لكتاب استعمار مصر لتيموثي ميتشيل وتقروا عن المدارس والبعثات وقت محمد علي وأبنائه وتعرفوا إن المدرسة بتربي خدم لسلطة الدولة زيها زي الجيش والشرطة، لكن التاريخ نفسه هو مفهوم ثابت ثبات الزمان الماضي، كل زمان ماضي هو تاريخ، وكل زمان هو مضى بشكل أو بآخر، لما بتيجي تقول تاريخ اليوم 30 نوفمبر 2014 مثلًا فإنت عارف كويس إن تاريخ اليوم دا ثابت ومش هيتغير طالما إنت في نفس خط الطول ونفس المنطقة الزمنية، لكن التاريخ المدرسي هو تأريخ، المسألة مش مجرد همزة اتحطت على ألف المد، التأريخ هو مصدر لفعل رباعي أرخ وزنه فَعّلَ، التأريخ على وزن تفعيل، وبصفتكم بتقروا الكلام دا على مدونة فأكيد عارفين التفعيل activation  خلينا في المثال التقني دا شوية، التاريخ نفسه اللي هو الزمان الماضي هو نسخة برنامج مفتوح المصدر open source  كل تأريخ بمعنى سردية مختلفة لأحداث التاريخ الماضي هي تفعيل مختلف لنسخة البرنامج، وكل شخص قادر يعدل في نسخة البرنامج حسب مزاجه بإنه يخفي حاجات ويظهر حاجات ويمسح حاجات كمان، بس دا مش معناه إن النسخة الأصل مش موجودة، لكن معناه إن النسخة الأصل بكل مكوناتها مخفية عن نسبية المستخدم، التاريخ كل واحد بيشوفه بتأريخه المختلف وطول ما الإنسان عايش وخاضع لسلطات وقوى التآريخ دي هتفضل موجودة وكل شخص عنده رواية مختلفة للأحداث.
هاحكي حكاية حصلت معانا كلنا يمكن، كشريحة عمرية اتولدت سنة 1982 وكان أكتوبر 1998 آخر أكتوبر قضيناه في الدراسة ما قبل الجامعية، الأيام اللي قبل 6 أكتوبر، قررت الإدارة التعليمية، لسبب أو لآخر، إنها تعظنا عن مخاطر الحروب وفوائد السلام، السلام الانبطاحي بتاع كامب ديڤيد طبعًا واللي كان مكمله مبارك ومكمله المارشال بقاليظو دلوقت، ولإننا كنا فصل علمي بندرس فيزياء ورياضيات 2 وأغلب الفصل ما عدا اتنين بيدرسوا منهج التاريخ، الاتنين دول كنت واحد منهم، دخل علينا أستاذ الفيزياء، ويمكن دا اختيار غريب قوي، بس ممكن فهمه لأنه كان أكبر الأساتذة سنًا، كان مواليد 1940 وفاضل له سنتين على المعاش، كان مدرس فيزياء كويس جدًا بالمناسبة وسبب من أسباب حبي لها ودراستي لها في الكلية بعد كدا، لكن يومها دخل عشان يكلمنا عن حرب أكتوبر 1973، كانت الذكرى الخامسة والعشرين وكدا، وقعد يكلمنا وإزاي البلد كانت خربانة وكان أسهل لك تروح لواحد بدل ما تكلمه في التليفون لأن التليفون كان ما بتجمعش إلخ، وبعدين قعد يعدد محاسن السلام، اللي أدركناه في عهد مبارك، وإزاي بقى عندنا طرق وكباري، مبارك كان بيحب الكباري قوي لدرجة اتسمى حسني كباري، وبقى عندنا تليفونات كويسة والمحمول أهو جا وهيبقى في أيدي الجميع والإنترنت كمان، كان وقتها المحمول موجود بس غالي جدًا والانترنت بكارت اسمه ياللا وديال آب وحاجة تشل الكتكوت، المهم إن كل الحكاية دي غرضها، إن ما حدش يقول لكم حرب ولا ضرب ولا نيلة، ومبارك دا أجدع واحد مسك وحصل في عهد إنجازات إلخ، يومها وفي الأيام اللي بعدها اختلف نظرة كل حد للموضوع، بالنسبة لي كنت شايف إنه طبيعي الدنيا تتغير في ربع قرن، ودا مالوش علاقة بمين الريس ولا مين الحكومة، لأن فيه تغييرات بتحصل نتيجة التقدم العلمي، وأكيد إن مصر اتأخرت بسبب حكومتها مش العكس، ولولا حكومتها كان التقدم بقى أسرع، لكن أغرب تفسير ظهر وانتشر ما بين الطلاب وقتها، خليني أقول بس إني باحكي عن مدرسة ثانوية كبيرة بتضم 11 فصل ثانوية عامة، يعني تالتة ثانوي، بتضم حوالي 500 طالب ودا مش رقم بسيط، لأنهم منتشرين في منطقة مصر الجديدة كلها، التفسير الأغرب كان إنهم بيقولوا لنا كدا عشان إحنا الجيل اللي هيحرر القدس، ما اعرفش مين قاله ولا إزاي انتشر، لكن عارف إنه انتشر زي النار في الهشيم، زي أي تفسير بيخاطب الهمم الصبية وبيحسسها بفتوتها وقوتها، خلال السنين اللي بعد كدا حصلت الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، واستمرت طوال سنين الجامعة، وكانت تعديد محاسن الطرق والكباري موجودة برضه بالنسبة لمبارك كل ما نجيب سيرته، فاكر فيه طالب أصغر مني بسنة قعد يقول لنا إن الراجل دا-يقصد مبارك- عمل طرق ونوّر شارع الهرم، ووالده قال له إنه أول ما سكن هناك أيام السادات كان الدنيا ضلمة والشوارع ترابن وكأن دا مش شيء طبيعي ما بين السبعينات وبداية الألفية، هيحصل هيحصل بفعل الزمن.
الجيل اللي باحكي عليه، والسنين اللي بعدها، ما حررش القدس طبعًا، لكنه وأعني هنا مواليد ما بين 1975 و1995، اللي دخلوا المدارس ووصلوا الثانوية العامة وقت مبارك، اللي كان عمرهم ما بين 36 سنة و16 سنة وقت 2011، قدروا يجبروا النظام إنه يتف مبارك، خلونا نقولها كدا، بدل اتخلع ولا تخلى ولا اتنيل، الضغط من تحت على النظام أجبر النظام يتف من بقه حتة الشوكة المقرفة دي، مبارك تم تفه من بق النظام، عشان النظام يعيش ويكمل ويقدر يقضي على انتفاضة الجيل دا اللي مش قادرين يستوعبوه، الجيل اللي طول الوقت كان بيتعرض لسرديتين نظاميتين للتاريخ، سردية رسمية في الكتاب المدرسي وبرامج التلفزيون وسردية غير رسمية في حكاوي المدرسين والأفلام والمسلسلات وخلافه، سردية قوامها إن مبارك –اللي حكم أكتر من ربع قرن- عمل نقلة نوعية، وكأن الزمن بيقف ومش بيمشي والربع قرن دول العالم ما اتنكتش فيهم واتجاب عاليه واطيه، طب إيه النقلة النوعية دي، خلينا أقولها على لسان طفلة من جيراننا قالتها في 2003 وقت حرب العراق "الميس قالت لنا دا مبارك اللي عمل لنا الشوارع وزرع لنا الشجر وحط لنا الكولديرات في الشارع"، دا تأريخ رسمي وسردية النظام، سردية تافهة وغبية وسطحية، دا كتاب التاريخ المدرسي، المُزيف وعبيط في نفس الوقت، كفاية إنه تاريخ الثانوية العامة بيحكي بتاع ألف سنة في كام صفحة ما يكملوش 250.
طبعًا الكلام اللي بأحاول أقوله مش بينفي وجود سرديات مزيفة للتاريخ طول الوقت، لكن بينفي وجود تاريخ وحيد، طول الوقت فيه تآريخ مختلفة لأي حادث، ودا نتيجة تعدد رؤية البشر، وكل ما الزمن يمشي التآريخ دي بتتغير عشان فيه وثائق جديدة بتظهر، حد زي خالد فهمي مثلًا لسه قادر يتحدى التأريخ الرسمي لعهد محمد علي بعد أكتر من قرن ونص، ليه؟، عشان الزمن بيبين وثائق جديدة وبيلمح لوجود وثائق أخرى خفتها السلطة، جيلي على سبيل المثال، عرف تاريخ فني مختلف نتيجة وجود الإنترنت، عرفنا إن فيه فن موسيقي وطرب قبل سيد درويش وأم كلثوم وعبد الوهاب، وإنه مش فن طرابيش كنا بنقعد نسخر منه، ليه؟ عشان الزمن بين وثائق كتيرة مختلفة، الأهم من السرديات الزائفة والاهتمام بتغييرها وهي مش هتتغير خالص، الحفاظ على الوثيقة اللي هتكشف زيف السرديات دي.
هل فيه سرديات زائفة لأحداث التاريخ العالمي ككل؟ طبعًا فيه، أشهر سردية زائفة هي السردية العكاشية، وهي سردية موجودة طول الوقت باسم "بروتوكولات حكماء صهيون" والمؤامرة الماسونية العالمية اللي حركت كل الثورات وأحداث التاريخ، وقارئ أي كتاب تخريفي من الكتب دي هيلاقي إن الثورة الفرنسية والثورة الروسية وأي ثورة سببت تغير راديكالي في التاريخ في الكتب دي هي من عمل مجموعات سرية ماسونية لتقويض ونسف الأخلاق والعروش والملوك، السردية العُكاشية اللي اعتمدها القاضي هي هي تخاريف بروتوكولات حكماء صهيون، بس بشوية جمل فخمة وضخمة زي حروب الجيل الرابع وخلافه، لما تقرا كتاب زي كدا هيبقى الحل الوحيد إنك تكون ملكي متطرف، تدافع عن الحكومات المطلقة لإنها هي اللي هتحكميك من الماسون والكائنات الفضائية، السرديات الزائفة للتاريخ دي مش بس تأريخ زائف لكنها وعي زائف حلها الوحيد إن البشر تعرف وتعي وتدرك.
التاريخ اللي حصل حصل وبقى مُطلق، والتآريخ حواليه هتبقى مختلفة ونسبية، ما بين بشر شاركت وصنعت هذا التاريخ نفسه، وبين بشر قعدت على مؤخراتها واتذكروا باسم موضع طيازهم، حزب الكنبة، اللي كان كل دورهم في التاريخ دا الفُرجة، فقرر جزء كبير منهم تبني سردية إن التاريخ دا ما حصلش وكان مؤامرة علينا، ليه؟ لأن أي تبني آخر للأحداث هيعرفهم قد إيه هما عجزة ما قدروش يهزوها ويتحركوا، قد إيه عاشوا خايفين من وحش وهمي سقط في 3 أيام ما بين 25 يناير 2011 و28 يناير 2011.

ما تخافوش على تزييف التاريخ، التاريخ حدث وخلاص، والتآريخ كانت بتتذاع على الهوا أول بأول، خافوا على ذاكرتكم وما تمسحوش الألم منها، خافوا على قصاصات الورق عشان هتبقى وثائق بعد كدا، خافوا عليها عشان فيه بشر هتتولد لحظة كتابة الكلام دا وتقدر بعد 30-40 سنة تبص لزمننا نظرة مختلفة.

الجمعة، 28 نوفمبر 2014

في تأصيل قطع همزة الكس أم

في تأصيل قطع همزة الكس أم
الكس أم، سبة عربية تسللت لعاميات كثيرة، لا يعرف على وجه الدقة منشأها، لكننا نعثر على سباب شبيه في قصيدة ساخرة كتبها الكحال ابن دانيال حوالي 1293 م في امتداح قرار السلطان المملوكي حسام الدين لاجين بإبطال المُسكرات والمُخدرات، فقال على لسان الشيطان المتحسر على فقدان أتباعه:
فقُلتُ يا إبليس ماذا الذي .... أسال من مقلتك العَبَرة
وما الذي أزعج أشياعك النَو .... كَى وإن كانوا ذوي شرة
فقال بأبي أنت قد وقعت ..... في كُس أختِ ما أكره

الكُس أم سبة من كلمتين، مضاف ومضاف إليه كخبر شبه جملة لمبتدأ محذوف تقديره أحمر، الكُس هو هِن المرأة ونعثر على الكلمة في القاموس المحيط للفيروزأبادي في باب ك س س "وسُمي الكُس كُسًا لأنه يدق دقًا شديدًا" أما الأم فهي الأنثى الأولى وربما الوحيدة، لذا توجه الشتيمة لعضوها الأقدس في مخيل الذكورة العربية.
الكس أم تلفظ على نواحٍ كثيرة، ربما كان إحداها سببًا في تخفيف همزها ومن ثم وقوعه في لَحن العامة، فهي تنطق كس أم بتخفيف الهمزة في باب الكلام العام إن لم تكن سبابًا موجهًا لشخصٍ بعينه، وتنطق بقطع الهمزة مع تشديد النبر على الحروف على نحو كُسْ أُمْ لتشديد السباب لشخصٍ بعينه، وتثنى على نحو كُسِ أُمين في باب الرد على السباب نفسه، على نحو أن يقول أحدهم للآخر كُسْ أُمَك فيرد عليه كُس أُمين أُمَك، لكن بسبب وقوع الهمز وتخفيفه في السباب العام غير الموجه على نحو كس أم الدنيا أو كس أم كدا، لَحَن فيها العامة وخففوا همزها فتحولت إلى كس ٱم ثم إلى كسم.
أما الكَسْم فهو شكل الجسم وقده، والكلمة فصحى ودارجة، ومنها في الدراجة اشتقاق للدلالة على الملابس كنحو فستان مِكَسِم، ونتيجة لاختلاط العامة في رسم الكس أم بتخفيف الهمزة اختلط الرسمان فأصبح الكسم مخلوطًا مع الكس اُم، وهو خلط شنيع لا يليق بفصيح فتنبه رحمك الله.

الخميس، 27 نوفمبر 2014

ذكرى متروهات مضت

ذكرى متروهات مضت

الحكاية دي بقى لها 12 سنة إلا شهرين وكام يوم، في معرض الكتاب 2003 كنت لسه في السنة النهائية لدراستي الجامعية ولأني كنت بأدرس في دولة تانية بتقع داخل حدود جمهورية مصر العربية اسمها دولة الصعيد كانت فيه تغييرات كتير بتحصل في مصر العاصمة من غير ما توصلني، خرجت من بيتنا زي العادة وركبت مترو الدراسة-مطرية، تسمية مترو دي مش معروفة قوي ومش مستخدمة برة سكان مصر الجديدة القوادم، مش بنستخدم كلمة تروماي أو ترام إلا على الترام نفسه، المترو هو ال strasse bahn  زي ما بيقولوا عليه الألمان، كان لونه أخضر ومكون من تلات عربيات، قلوا بعد كدا لاتنين، وكراسيه من جوا على صورة تشبه ديوان القطر، جوزين متقابلين بيقعد عليهم 4 أفراد، والتروماي كان لونه أبيض ومن عربيتين وكراسيه عبارة عن دكتين قصاد بعض، كان فيه مترو الدراسة – مطرية، وزي تسميته هو بيبدأ من ميدان المطرية يوصل الدرّاسة قدام مشيخة الأزهر، مسافة كبيرة جدًا كأنه بيلف سور القاهرة القديم من برة، أيام ما كان السلطان الغوري يطلع من ميدان الرميلة يوصل لبركة الحاج عشان يستجم، وكان فيه تروماي رقمه 35 بيمشي نفس السكة، وكان توصيلتي الوحيدة لمعرض الكتاب ولسه نفق المشاة اللي بيوصل لمحطة المترو والتروماي موجود وما اتشالش، كان وسيلة مواصلات آمنة، ما بيضطرنيش اعدي طريق صلاح سالم على رجلي، المهم إنه في معرض الكتاب سنة 2003 اكتشفت إنه اتلغى، اكتشفت دا إمتى؟ وأنا راكبه، والكمساري بيقول عند محطة قبل الاستاد "الآخر يا حضرات"، نزلت ساعتها ومشيت لغاية معرض الكتاب، ومن سنتها لغاية معرض الكتاب 2013 مفيش مواصلة مباشرة ومعروفة، يمكن فيه ميكروباصات جديدة من بتوع النقل الجماعي اللي بيطلعوا كل يوم دول أنا ما اعرفهاش، توصل ما بين ميدان المحكمة اللي أنا ساكن جنبه وبين معرض الكتاب، 10 معارض كتاب، عشان 2011 اتلغى، وأنا أركب من قدام بيتي لغاية جامعة عين شمس وأنزل أتمشى شارع الوحدة الأفريقية عشان ما عنديش عربية ومش بأركب تاكسي وبأوفر ال15 جنيه دول أجيب بيهم كتب من جناح سور الأزبكية جوا المعرض.
الحكاية الجاية دي ممكن تكون غريبة على مواليد التسعينات، رغم إنها حصلت في طفولتهم، في منتصف التسعينات بدأ التدمير الممنهج لحاجات كتير، الدولة كانت بتشيل إيدها من كل حاجة تقريبًا لتحتفظ بسلطات ثلاثة هي الجيش، رأس الهرم، والشرطة والقضاء، وتفضل كحكم بين الطبقات بيحكم لصاحب القوة والسلطة، مشروع الخصخصة اللي اتباع فيه القطاع العام، كان بيكمل على حاجات كتير زي محلات الكساء الشعبي –كان اسمها كدا- والمجمعات الاستهلاكية وخلافه، وكمان بدأ يدمر شبكة المواصلات عشان يحل محلها بعد كدا ميكروباصات النقل الجماعي في بداية الألفينات، وابتدا التدمير دا بالمترو.
مترو مصر الجديدة مش هو أول ترام في مصر العاصمة، سبقه ترام شبرا اللي اتعمل 1897، وكانت شركته بلجيكية وكان بيدور حوالين نفسه لدرجة الناس طلعت عليه "دوخة البلجيكي"، لكن مترو مصر الجديدة كان شيء حيوي جدًا في فترة بناء ضاحية جديدة بعيدة، أنا شفت إعلان عن اللونابارك في مجلة المقتطف سنة 1913، بيعلن إن ضاحية مصر الجديدة لم تعد بعيدة وممكن تركب المترو، كمان مترو مصر الجديدة هو سبب تسمية مترو الأنفاق باسمه دا، مش غريبة إن مترو الأنفاق الخط الأول مش ماشي في أنفاق أصلًا غير في وصلة الخمس محطات بين الشهداء وسعد زغلول؟ الغرابة دي هتنحل لما تعرف إن دي الوصلة بين خطين قطارات كانوا موجودين قبل كدا، فاكر فيلم دايمًا معاك بتاع محمد فوزي وفاتن حمامة لما كان عطشجي؟ دا كان خط بيوصل للمرج من محطة رمسيس وكان فيه زيه بيوصل حلوان من باب اللوق، جا مشروع مترو الأنفاق وجا مبارك عمل وصلة بين الخطين عشان يدعي إنجاز، ولأن كان فيه مترو بالفعل سموا المترو التاني مترو الأنفاق.
حياتي كلها كان لها علاقة بالمترو دا، مترو الشارع على رأي الألمان، كان هو المواصلة الوحيدة تقريبًا اللي بتوصلني قدام بيتي بالظبط، كان فيه كام أتوبيس كمان بيروحوا المطار بس أنا كنت باحب المترو، كانت والدتي بتركبنا المترو لغاية ميدان رمسيس وقت ما كان فيه رمسيس والنافورة، عشان نركب لبيت جدتي في الدرب الأحمر، المترو وقتها كان بيوصل لميدان عبد المنعم رياض، وبعدين في 1997 حصلت حادثة قدام المتحف المصري، اتقال إنها إرهاب وحد رمى قزازة مولوتوف على أتوبيس سياحي، فاتلغى الموقف بتاع الأتوبيسات اللي كان في ميدان التحرير وودوه عبد المنعم رياض مكان موقف المترو، عبد المنعم رياض دلوقت 3 حارات، هما عدد خطوط مترو مصر الجديدة، عبد العزيز فهمي اللي بيعدي قدام بيتي، والنزهة والميرغني، تخيل كدا مواصلة بتاخدك من قدام بيتك توصلك للنيل؟ دي بتسهل لك حاجات كتير سواء كنت مراهق أو كنت بنت، أهلك مش هيقلقوا عليك عشان فيه مترو هيجيبك قدام البيت.
خط عبد العزيز فهمي دا بيمشي، بعد ما لغوا وصلة عبد المنعم رياض، من محطة باب الحديد اللي لغاية دلوقت عليها يافطة باسم كوبري الليمون لغاية ميدان الألف مسكن،  فكنت أثناء دراستي في دولة الصعيد الشقيقة أرجع بقطر يوصل الصبح فآخد المترو لغاية البيت، وعشان المترو كان واسع كنت أركن شنطي ورا أول كرسي وأقعد مقابل لها ويفضل عيني عليها، لأن المترو مريح وبيتيح دا، عكس الميكروباص اللي مش بيعدي قدام بيتي أصلًا، ولو ركبته السواق يقعد يشمئنط من الشنط، آخر مرة شفت فيها مترو معدي قدام بيتي كان من حوالي سنتين، ما أعرفش راح فين فعلًا.
الخطين التانيين النزهة والميرغني، واحد بيمشي من باب الحديد لغاية مساكن شيراتون وواحد لغاية مسرح التلفزيون، لما جم يعملوا نفق الثورة عملوا لخط الميرغني كوبري علوي، الخط دا اتفك حاليًا والنزهة مش شغال، مشكلتهم مش مشكلة تطوير، الكوبري العلوي اتكلف كتير بالمناسبة وبعدين المترو اتلغى، أزمة مترو الميرغني إنه بيعدي في شارع الميرغني قدام قصر الرئاسة، والنزهة بيعدي من جنب القصر في شار ع الأهرام، مشكلة المتروهين دول إنهم بيعدوا بالرعاع جنب قصر السلطان والأسباب الأمنية لازم توقفهم.
قلت لك إن الأتوبيسات كانت بتوصل لميدان التحرير؟ طيب قلت لك إن كان فيه موقف في باب اللوق؟ ما قلتلكش، كان فيه موقف هناك اتعمل دلوقت ساحة انتظار سيارات وموجود قدام قهوة الحرية، كان بيوصل له أتوبيس رقم 940، فكنت في أول سنين الجامعة أركب من قدام البيت أوصل وسط البلد على طول، أشتري كتب وأقعد على أي قهوة وبعدين أروح، كل دا انتهى، الأتوبيس رجع بقى يقف في عبد المنعم رياض وما بقاش ييجي أصلًا، تخيل إني لغاية دلوقت ما باعرفش أروح الدرّاسة مباشرة؟ 12 سنة لو عُزت أروح الدراسة لازم أركب مواصلتين، لما باحب أنزل السيدة عائشة مثلًا بامشي لغاية نفق الثورة، ممكن بتوع المعلومات والخرايط يحسبوا كام كيلو متر من ميدان المحكمة لنفق الثورة، عشان أستنى ميكروباص رايح السيدة عائشة، يكون معدي وفاضي وقابل يركب راكب، الرحلة دي بأعملها وأنا رايح المقطم، وفي أول شهرين من 2014 كنت بأعملها كل خميس، كل دا عشان فيه شخص ما قرر إن الفضاء العام ما ينفعش يمشي فيه مترو، لو كان موجود كنت ركبت للدراسة ولقيت ألف مواصلة للمقطم، لأن الميكروباصات بتنقي مواقفها تبعًا لمصالح الناس ولو لقت موقف مترو أو ترام أكيد هتروح تركن جنبه تحمل.
بالنسبة للبعض كل الكلام دا كلام فارغ ومالوش لازمة، الحقيقة إن مصر الجديدة، وأعني مصر الجديدة اللي تبع قسم مصر الجديدة مش كمالتها اللي تبع قسم النزهة، مصر الجديدة اللي اتبنى معظمها قبل 1952 مش منطقة كلها برجوازية، مصر الجديدة منطقة فيها منطقة شعبية من اللي بتشوفها في الأفلام، محمد خان صور فيها فيلم أحلام هند وكاميليا، في مبنى اسمه البُلُك، المنطقة دي بتتسمى العزبة القديمة أو عزبة المسلمين لأن مصر الجديدة كان أغلبها خواجات وأهل البلد كانت أحياءهم بتتسمى وقتها بأسماء زي حي العرب في بورسعيد أو عزبة المسلمين بمعنى أهل البلد ولاد العرب، المنطقة دي كان بيحدها سور زمان شبه سور القاهرة، كان فيه غرام استشراقي كدا عند البلجيك والفلمنك يعملوا المنطقة بتصميم مملوكي على أندلسي، بداية من شارع بيروت لغاية شارع أبو بكر الصديق بتنتهي الكوربة والڤيلات وتبدأ مصر الجديدة الشعبية اللي كان بيسكنها موظفين وعمال وبوابين، فيها تجمع كبير نوبي على سبيل المثال، المترو هو وسيلة المواصلات للسكان دول، وللعمال والموظفين اللي شغالين هناك، السكان الشعبين هما روح المنطقة الحقيقي اللي ما هاجروش منها لتلات أجيال على الأقل زي عيلتي كدا، بعد ما جا جدي من الصعيد في 1918، واشتغل خدام وقهوجي وبواب في المنطقة، حتى تحقيق الشخصية بتاعه الموجود عندنا مكتوب فيه طباخ، السكان دول لازم يبقى لهم مواصلة سهلة ومتوفرة، دا المستعمر الأوروبي صاحب الامتيازات نفسه عمل حسابهم يا أخي.
الحاجة التانية اللي بتتقال إن دا مترو حلزونة وقديم ومالوش لزمة، وطبعًا دي جمل ما بتسمعهاش غير في مصر العزيزة أم الدنيا، معروف يعني إن القديم بيتجدد مش بيتلغي، بالنسبة لمترو الدراسة اللي اتلغى عشان يوسعوا طريق صلاح سالم كان فيه حل بسيط، شيل القضبان وركب عجل، آه كان ممكن تركيب عجل كاوتش والاحتفاظ بخط الكهربا العلوي، دا اختراع كان موجود في مصر وكان ماشي منه واحد على كوبري الجامعة، اسمه التروللي باص، ماشي على عجل كاوتش زي بتاع الباص بس بياخد الكهربا من السنجة فوق، وكان ممكن حتى تعمله دورين، عشان سكينة تقول لعبد العال "اركب الكهربا من فوق يا ولا عشان النساوين ما تعاكسكش"، وساعتها كان ممكن العربيات تمشي عادي في نفس خط التروللي باص، لأن مش هيبقى فيه قضبان تعيق حركتها.
ما حدش بيفتكر المواصلات غير اللي بيضطر يركبها، المترو مش مجرد ذكريات وحنين ونوستالجيا وأيوة بقى يا بيبسي رجعتي فؤاد المهندس بعد ما مات، المترو مواصلة كانت بتوصل لغاية جامعة عين شمس، كانت بتوصل طلاب وعمال وموظفين ما يقدروش يركبوا تاكسي ويدفعوا 15-20 جنيه في المشوار، وفيه مناطق الدولة بتنساها عشان مافيا النقل الجماعي وشركات الميكروباص أو لواءات المرور اللي كلنا عارفين إنهم بيستثمروا وقت فراغهم وسلطتهم ويشغلوا سواقين ميكروباص عندهم، فيه مناطق كاملة زي ما بين ميدان روكسي وميدان الألف مسكن، ما بيعديش فيها خطوط أتوبيسات غير خط أو اتنين، ووصلتها الوحيدة كانت المترو.

المترو مش بس ذكريات وشوية حديد، دا مواصلة وفضاء عام، فضاء عام بيتحرم على محدود الدخل اللي حالته مستورة، وبتنحصر حرية التنقل فيه شوية بشوية للقادرين على شراء عربيات أو ركوب تاكسيات.

الأربعاء، 26 نوفمبر 2014

صباح والاحتفاء بالحياة بس أنهي حياة؟!

صباح والاحتفاء بالحياة بس أنهي حياة؟!

الجملة الأكثر ترديدًا النهاردة للتعليق على موت صباح الطبيعي والمنطقي في سنها هي "الاحتفاء بالحياة"، كانت الكلمتين دول هما الثيمة المركزية في مجموعة تعليقات على السوشيال ميديا، سواء على الفيسبوك أو على تويتر، وانتقلت نفس الكلمتين لمقالات مختلفة، تضع الديڤا المتوفية في موقع الشابة المحسودة من المجتمع –اللي هو طبعًا ذكوري ومتخلف- على احتفائها بالحياة وصدم المفاهيم الذكورية إلخ.
طبعًا كل الكلام دا #أمباليه، وخاصة فيما يخص صدم المفاهيم الذكورية، صباح ما كانتش نسوية ولا راديكالية، كانت ست خاضعة لمنطق مجتمعها خضوع كلي وتام، ظهرت طوال الوقت في صورة الأنثى التي تبحث عن ذكر، وكانت في بعض الأحيان، وبخاصة في الستينات –نفتكر مثلًا فيلم الرجل الثاني- رمزًا للأنوثة السهلة المنال، كانت صباح دائمًا وصورتها المُصدرة عبر مجتمع الفرجة، صورتها اللي بتتباع زي أي سلعة إعلامية، هي صورة الأنثى الخاضعة لذكر، كانت لا تصدم المجتمع الذكوري في أي شيء، بل كانت تجسيدًا لمقولة "ضل راجل ولا ضل حيطة".
السخرية من عُمر صباح ما كانتش في الحقيقة بسبب عمرها، كانت بسبب صورة ذهنية ساهمت هي في تشكيلها بعد إفلاسها الفني التام وضياع صوتها بعد فيلمها ليلة بكى فيها القمر، الصورة دي توافقت مع فترة اجترار الذكريات اللي تزامنت مع جمود المجتمع المصري في بداية الحقبة المباركية في بداية 1980ات، كانت صباح وهي يادوبك في الخمسينات من عمرها، رمز للعجوز المتصابية، الرمز دا ساهمت هي فيه شخصيًا لتبقى في مجال الضوء، لتبقى ديڤا ولتبقى في ذهن بعض كتبة الأشياء حافظي الجمل المُعلبة محتفية –لا مؤاخذة- بالحياة.
كانت صباح محتفية بالحياة، الحياة الزائفة اللي كلها قزاز بنور بيملع ع الفاضي، الحياة تحت الضوء الوهمي للنجومية المنتهية، الحياة التي تكرس جمل محفوظة زي البلاستيك المنسوخ، عن الجمال وخفافيش الظلام اللي مش عاوزين الناس تستمتع، الحياة دي اللي بتتكلف 10 آلآف دولار مثلًا في ليلة لمجرد التزين والبهرجة، لأن العطار ما بيصلحش اللي بيهده الزمن، الحياة اللي بتحتفي بيها الست نادية الجندي، المُصرة إنها نجمة الجماهير وهي جاوزت الستين.
بالنسبة للشباب اللي بيرددوا جملة "الاحتفاء بالحياة"، ودول غير كبار السن اللي بيرددوها كصدمة طبيعية لما بيموت فنان من جيلهم وبيحسوا معاه إن عمرها انقضى، فيه نمط خفي للتمسك بالحياة دا، لكن لا هُما بيشوفوه ولا عاوزين يشوفوه، نمط شعبي بتقوم فيه الست الصبح تفتح الكشك وهي متجاوزة السبعين وحيلها مهدود، وبيقوم فيه جوزها يتعكز عليها، نمط مفيهوش وفرة مالية تخليها تسكن شاطئ ولا تروح سپا، نمط آخر متمسك بالحياة ومحتفي بيها عشان ما عندوش غيرها، بالنسبة للسادة اللي بيكرسوا أمثال صباح كمحتفية بالحياة، النمط دا هما غافلين عنه أو بالأصح مش عاوزين يشوفوه، ولو شافوه هيبدأوا يلعنوا ظروفه قبل ما يفهموه، وهيبدأوا ينظروا على صاحباته، لأنهن مش ديڤات ولا نجمات مجتمع، وهتخرج منهم كلمة عابوا ع اللي كانوا بيقولوها على صباح بس بتعبير مختلف "مش ترتاحي يا حاجة وتبطلي شغل"، لكن الحاجة لو قادرة ترتاح زي الست صباح كانت ارتاحت، ولو قادرة تدفع كام ألف عشان تشد كانت شدت وشها، هي برضه عاوزة تحتفي بلامؤاخذة الحياة لكن مش قادرة.
يمكن صباح كانت بتحتفي بالحياة، مش عارف أنهي حياة الحقيقة أصل الحيوات كتير، لكنها كان لازم تموت كديڤا من بدري، مش كإنسان، جملة  "ما هو لسه صباح عايشة" واللي عاب بعض أولاد الوهم والزيف على قائليها وشتموا فيهم بجمل زي "يا ولاد المرة" –وهما بعدها بيقولوا مجتمع ذكوري ومتخلف خد بالك، كأن هما مش ولاد مرة واتولدوا بمعجزة سماوية من أب وحيد الخلية لا له ست ولا صاحبة- ما كانتش موجهة للإنسان، وإلا كانت وجهت لشادية مثلًا، اللي ما حدش يعرف هي بتتجوز ولا تطلق ولا يعرف أي حاجة عن حياتها الشخصية، على عكس صباح اللي كانت حياتها الشخصية سلعة إعلامية تُباع وتشترى، الجملة كانت موجهة لهذا المسخ الإعلامي اللي شبه الزومبي مش للإنسان.

طبعًا دا كلام مش هيفهمه أولاد الزيف والكذب والأفكار المُعلبة، المرتزقة ببيع الكلام المُعاد، هما عندهم نمط تفكير وتفسير جاهز، صباح بتحتفي بالحياة، فيروز جارة القمر، والستينات زمن الفن الجميل والتسعينات نوستالجيا وحاجة زي الفل وأنا وإنت ورقصني يا جدع على جملة ونص.

الاثنين، 24 نوفمبر 2014

موشح الأمباليه

موشح الأمباليه
من مقام جهارگاه

في نهار الأمباليه ... شكماني ضرب من نظرتيه
وتهت أنا بين إيديه
قل لي يا غالي إيه العمل
يا غزالًا ورا الفيميه .... قلبي نظر اتعطف إليه
يا حمام الأيك والسمك الفيليه
قل لي يا غالي إيه العمل
تاه توهني وتاه تيه ... والهوا ماله هوى عليه
أي سلطان يخضع لعينيه
قل لي يا غالي إيه العمل
راح مني .... غاب عني ... تهت مني .... ضعت أني
ما لي أقدر بالأمباليه ... على هوى من غير عينيه
والشكمانات خاضعة لإيديه

قل لي يا غالي إيه العمل

الأحد، 23 نوفمبر 2014

القول الفصيل في سر العناتيل

القول الفصيل في سر العناتيل
عن الآثار الجانبية لنشيد قوم يا مصري

من المعروف والمسجل في كذا مرجع، منهم كتاب (من أجل أبي سيد درويش) اللي جايب النشيد بالنوتة الموسيقية بتاعته، إن أصل قوم يا مصري زي ما كتبه بديع خيري في مسرحية قولوا له (1919) هو فوق يا مصري، لكن الشيخ سيد درويش لما سجل الأسطوانة لشركة أوديون (برقم 170، وش تاني)خلاها لأسباب فنية "قوم يا مصري".
وإذا كانت أسباب الشيخ السيد حميدة ومشروعة فللنشيد آثار جانبية برغم صلاحيته التامة لاستنهاض الهمم، لكن لأن النشيد موجه لمصري ذكر فالنشيد ساعات بينشط قدرات الرجل كمان بصورة مش معقولة تحوله لعنتيل، ودا بيحصل بعد مفعول النشيد في استنهاض الهمم أثناء الثورات الوطنية إذ إنه من الملاحظ إنه بيعقب الاستنهاض الوطني دا قيام لبتاع المصري وزيادة في عدد السكان وقدراتهم الجنسية.
طبعًا مش مشكلة الشيخ سيد درويش إن المصري بيقوم، وطنيًا وجنسيًا، ولا مشكلته إن ودن المصري ما بتفرقش بين المصري ككيان مستقل وبين بتاعه لوحده، لكن النتيجة هي ما نشهده حاليًا من قيام المصري بمهامه العنتيلية ودا مجرد أثر جانبي لنشيد وطني عظيم من مقام العجم، ومعروف إن العجم مماثل في الموسيقا الأوروبية للسلم الماجير، الكبير يعني.

الله يرحمك يا شيخ سيد كان لازم تسمع كلام بديع بدل ما كلنا قايمين كدا.

السبت، 22 نوفمبر 2014

صاحب الرسالة المارشالجي

صاحب الرسالة المارشالجي

على مدار عمري تعاملت كتير مع ناس مصابين بوهم الرسالة، ما بين السياسة والفن والأدب والصعلكة، مش قليل لما تلاقي شخص قرر فجأة إنه صاحب رسالة وهذه الرسالة مُكلف بتبليغها للناس، الحالة دي بتتعدد أطيافها ودرجاتها ما بين الهوس الكامل بالرسالة ودا غالبًا بيوصل لعنبر الأنبياء في الخانكة، العنبر اللي بيحجزوا فيه مدعي النبوة والمهدية وخلافه، وبين هوس خفيف يُصاب به الأفندية وغيرهم في دول ما بعد الاستعمار.
المعتاد في صاحب الرسالة، إنه بيبقى صاحب ريالة، بس مش شايف ريالته، هو متخيل إنه صاحب رؤية محورية كونية ستغير وجه ووجع الشعوب، وما على الشعب غير إنه يتبعه بصفته حامل الوعي، الحالة الأشهر هي حالة أفندية مقاهي وسط البلد، اللي بمجرد ما يبتدي يحبو في قراية النظرية بيقرر إنه طليعة وإنه قيادة جماهيرية، وإنه مكلف، لأن لينين زانقه زنقة روسي في خانة اليَك في كتاب ما العمل، بإنه ينقل للجماهير وعيها، وبيتدي يتصرف ويتحرك من ثوابت فكرية، هي في الحقيقة ريالة نازلة على صدره، لكن هو شايفها رسالة عظمى.

الحقيقة الحالة لا تقتصر فقط على كونك مثقف أو أفندي أو لأ، في دول ما بعد الاستعمار زي مصر، وخاصة لأن الاستعمار عمل على التفرقة ما بين المتعلمين، اللي هيبقوا خدم وحشم جهاز الدولة البيروقراطي السلطوي الجسم الغريب عن الشعب زيه زي الاستعمار، وبين السواد الأعظم للشعب اللي ظل لأسباب عديدة ومتشابكة غير متعلم، فيكفي إنك تكون بتفك الخط حتى يتم اعتبارك صاحب رسالة، ويفوضك الفلاحين زي محمد أفندي في فيلم الأرض عشان تروح تتفاوض باسمهم، شايفينك صاحب رسالة بينما إنت في الحقيقة صاحب ريالة نزلت أول ما شفت رجل الخواجاية في الفندق زي ما حصل في الفيلم #ما_علينا.

مؤخرًا لاحظت انتشار الحالة دي على السوشيال ميديا، المُتخمة على تمة عينها بالمتعلمين، اللي بيعرفوا يفكوا الخط يعني، وخاصة من المارشالجية، المارشالجي بشكل رئيسي مؤمن بإنه صاحب رسالة، وإن المارشال بقلظ أبو الخدود نحنح الله صوته نفسه صاحب الرسالة الأعظم المُكلف بحماية البلاد، بلغه هو شخصيًا بالرسالة دي، فيقوم المارشالجي من دول أول ما تزنقه في أي نقاش، أو بمعنى أصح تبين إنه صاحب غسالة مش رسالة، يبتدي يفكرك برسالته الخالدة، "إنتم ما تعرفوش المؤامرات على البلد"، وهو لأنه تابع، لو ما كانش ظبوط أو بيدعي إنه ظبوط يعني، بيعتبر إن الظبابيط هما أصحاب الرسالة الأَولى منه بشرف الدفاع عنها، فتلاقيه بيعتبرهم فوق البشر، وفاكر السباليتات اللي على الأكتاف أجنحة ملايكة، هو ما بيناقشش هو بيفكرك بالرسالة المُكلف بيها، رسالة الحماية والواجب والعين والحاجب، أي حاجة تلاقيه فتح لك علبة الردود وطلع لك جملة "دا واجب الظابط إنه يقتلك ويقتل أمك عشان يحميك".

وهم الرسالة عند المارشالجية بيتفاقم أكتر من وهم رسالة أستاذية العالم عند أسلافهم الإخوان، لأن وهم رسالة أستاذية العالم في الأول والاخر وهم انفتاحي وتبشيري يملك بارانويا عظمة أكتر ما يملك بارانويا اضطهاد لكن وهم رسالة حمايتك من نفسك هو بارانويا اضطهاد، العالم كله بيحاربنا وهو بصفته مارشالجي تلقي وحيه من خدود القائد ونحنحة ذبذبات صوته، هو الوحيد العارف بالمؤامرات دي كلها، اللي بتبدأ من كوريا الشمالية وما بتنتهيش عند النرويج.

المارشالجي صاحب الرسالة، اللي هي في الحقيقة ريالة، واثق جدًا من رسالته، زي أي مريض في عنبر الأنبياء في مستشفى الخانكة ما هو متأكد من إدعائه النبوة أو المهدية، يمكن كل مريض بالفاشية عنده نفس الوهم #ما_علينا


ربنا يبعدنا عن أصحاب الرسالات والريالات.

الأربعاء، 5 نوفمبر 2014

ابتسامة يارا (إلى يارا سلام)

ابتسامة يارا

إلى يارا سلام 

ما الابتسامة؟ لا هي ضحكة ولا هي عبسة، لكنها تعد بضحكة وتخشي العودة للعبوس، الابتسامة شفتان ما بين انفتاح وانغلاق كدعوة تقبيل وجلة، هي الخيط الأبيض الفاصل بين ليل سجىٰ وصباح لم يُصبح، كسنا ضياء ما قبل الإشراق، تفلق الإصباح دون إطلاق الصباح.
ليس كمثل ابتسامتها ابتسامة، يتشارك اسمانا ثلاثة حروف لكن كلانا يسبح في مداره فلم يتقاطع دربانا ويسمحا بلقاء، ربما لمحتها، لكن فعل الرؤية غير ممكن إلا عند انحلال ذاكرة الوجوه الشمعية والبسمات نصف الميتة، وحده انحلال رسم السابق يمنح الرؤية العابرة كشفها، عندها تلمح ابتسامتها فيُلقى في قلبك ما يُلقى وتَقَر رؤية الابتسامة في قلب الرائي، تسكن قلبه فتمنح له سَكِينَته المسلوبة من قِبَل السلطان، الذي يجعلنا بلا وجوه مميزة، يسرق ابتساماتنا ويمنحنا بسمات مُسرنمة، تحت نير سلطته كلنا بنفس الوجه الشمعي نصف الحي، السلطة تُجهلنا دومًا ولا تُعرّفنا إلا حين نقاومها، حينها يلمح الواقعون تحت نيرها وجوه مقاوميها، ربما لن تعرف وجه شبيهك إلا حين يقتله السلطان، فهو يقتل حياتنا وحكاياتنا، يسعى لجعل قصص الغزل مرثيات.
كلماتي ليست رثاء لابتسامة، ربما هي رثاء لكاتبها العاجز عن الابتسام، المتغزل في ابتسامة عابرة، رآها غافلًا بعينين نصف مطفأتين حين أشرقت كابتسامة صبية تصب ماء إبريقها في مشربية مُطلة على ساحة مدينة، يلمحها سجين مُساق لمحاكمته فتمنحه شيئًا نصف مجهول لكن حلاوته كاملة.
يارا، لم تعرفيني قبلًا، لم تصادفيني في طريق رغم أننا ندور في ذات الأفلاك، حتى لو لمحتِني فحتمًا لم تتذكري وجهي، فهو وجه شمعي تنقصه ابتسامتك مانحة الحياة لوجوه غَبّرها نصف الموت، ربما لولا رؤيتي لابتسامتك عبر قضبانٍ لسجنتها بداخلي، أخرجها وقتما أشاء لتهبني وعدًا بالحياة، ابتسامتك لم تكن لي، كانت لذاك المجهول الذي لا نعرفه لكننا نوقن بحلاوته ويسكننا حبه، ربما كانت ابتسامتك مقاومة للسلطان لكنني لا أدرك تلك الكلمات المنمقة، أعلم أن ابتساماتك أكثر من مقاومة وأشمل من أن يحويها تعريف، فهي جديرة بإثارة الشغف وإحياء قلوب نصف ميتة، هي وعد بشيء ما آت، ابتسامة تفلق الإصباح لصباح لم يُطلق سراحه بعد.

ياسر عبد الله                                                                                                                                          

                                                                                                                                    

الأحد، 14 سبتمبر 2014

عن القهر والانتحار والخوف



عن القهر والانتحار والخوف
ياسر عبد الله
(تويتات مجمعة ومرتبة)
ما بقاش ينفع تدخل الحيط، أينما تكونوا يدرككم القهر، لو تعبت ابعد شوية وارجع، حياتك مش هتبقى أحلى لو بطلت كلام في السياسة عشان مش هي دي المشكلة، مش المشكلة إن فيه ناس بتهري في السياسة، المشكلة إن الساسة بيتحكموا في حياة ملايين من غير حساب وإنت من ضمن الملايين دول، لو ما سمعتش سياسة على تويتر، وإنت راكب ميكروباص هتشوف القهر بالصدفة لمجرد إن أمين شرطة قرفان بالليل من وقفة الكمين وله سلطة على حياتك قرر يقهرك.
ممكن تنسى منظومة القهر، لكنها هتقتحم حياتك وهتفكرك، فهتلاقي ميول انتحارية ظهرت، ودا طبيعي، الميول الانتحارية طبيعية في منظومة قهر لكن مش هي الحل.
بدل ما تؤذي نفسك عشان اكتشفت منظومة القهر وإنت ماشي بالصدفة، استرد حقك من اللي أذوك وبيؤذوك ويؤذوا غيرك لمجرد إن لهم سلطة يعملوا كدا.
ما حدش فينا بيختار يكتئب، ما حدش فينا اختار يبقى عنده مشاكل نفسية، لكن دي مش جريمة حد فينا برضهن كلنا اتولدنا عشان نلف زي التيران في الساقية، كلنا عاوزين نبتسم للحياة ونشوفها وردية، لكن الحياة الوردية مش هتيجي بدهان صندوق الزبالة وتخيله فازة ورد، الحياة الوردية هتيجي بنسف الزبالة من أساسها، ما حدش فينا مبسوط بإن جواه طاقة كراهية، كُتب علينا وهو كُره لنا، نفسنا في طاقة محبة، لكن المحبة الزائفة اللي بترضى بالظلم وتزيفه وتزينه ما تلزمناش.
كلنا مظاليم من أول ما اتولدنا، لا اخترنا أب ولا أم ولا فقر ولا بلد ولا بيت ولا دراسة ولا دين، وفوجئنا أول ما فتحنا عينينا إننا بنتحاسب على دا وحساسيتنا تجاه الظلم مختلفة، فيه ناس زيي بتختار تشتم وتزعق وتتنرفز وفيه ناس احتمالها أكبر، ما تحاسبوش الناس على مزاجهم قبل ما تعرفوهم.
فضفضوا لبعض وانسوا لبعض، اللي بيفضفض لك في لحظة بعبعة مش عاوز يسمع البعبعة اللي قالها تاني، اسمعها واهتم بيها وافهمه وطبطب عليه بس ما تفكروش.
احنا عايشين حياتنا خايفين، بنبوس واحنا خايفين، بنحب واحنا خايفين، بننام واحنا خايفين نصحى ما نلاقيش الملاليم اللي بنقبضها، فمش طالبة نقعد نستجوب بعض ونخاف من بعض.

*تم التنسيق باستخدام الخط الأميري.

عن #جبنا_آخرنا والأسوار الحاجزة بيننا



عن #جبنا_آخرنا والأسوار الحاجزة بيننا
ياسر عبد الله

(تغريدات مُجمعة ومرتبة ومنقحة)
حابب أرغي شوية بخصوص #جبنا_آخرنا وكام اعتراض قريته خلال الأيام الأخيرة وبعضها اعتراضات مُكررة عنها وعن غيرها، كلامي مش بغرض اقناع/تجنيد حد لكنه مجرد عصف ذهني وتفكير بصوت عالي، عشان نفهم سبب #جبنا_آخرنا أو غيرها لازم نرجع نعصف ذهننا بخصوص نظام الحكم في مصر والنظام الاجتماعي وإزاي بيعملوا في توازي وترابط دائم، التوازي والترابط الدائمين دول، غرضهم كما هو غرض كل أعمال الأنظمة هو تأبيد النظام واحتواء أزماته بل وتجنيدها لتجديده في أغلب الأحيان، وعشان نعصف ذهننا بخصوص النظام سواء نظام الحكم أو النظام الاجتماعي السائدين في مصر لازم نتأمل لحظة ثباته المُثلى وهي نفسها لحظة الحنين السائدة كمان، لحظة ثبات النظام المُثلى في مصر اللي كان النظام بيبذل فيها أقل مجهود عشان يستمر هي نفس فترة النوستالجيا اللي بيمارسها الوعي المجتمعي الجماعي واللحظة دي حاليًا هي فترة التمانينات-التشعينات، أو النصف الأول من حُكم مبارك، تقريبًا من 1982 إلى 1998، في الفترة دي سادت معارضة مستأنسة تمارس النقد لا النقض، يعني مش عاوزة تغير النظام هي عاوز تعدله بس، والمعارضة دي بالنسبة للنظام بتعمل كخلايا المناعة بالنسبة للجسم، ومعارضة أخرى مسلحة والمعارضة المسلحة سادت في المناطق غير الحضرية حتى جوا الحضر نفسه، أو بعبارة أخرى كانت في الهيش والجبل مش في قلب البلد، ولعبت دورين أساسيين الدور الأساسي الأول دور العدو الرئيسي لنظام الحكم ونظام المجتمع، أو بعبارة تانية دور الخطر الأحمر في أمريكا المكارثية The red menace  والدور دا كان فزاعة أمام أي معارضة محتملة غير مسلحة، وكان بيؤدي للمعارضة المستأنسة إنها تروح أكتر وأكتر تحتمي بالنظام خاصة مع حوادث قتل أو محاولات قتل لمثقفين أشهرهم فرج فودة ونجيب محفوظ، اللي كانت بتؤدي بالمثقفين بدل نقد النظام للتعاون معه ضد (الخطر القادم) في حاجات زي سلسلة المواجهة اللي كانت بتصدرها الهيئة العامة للكتاب، السلسلة اللي كانت بتصدر على هيئة كتيبات (تنويرية) بعضها هام لكنها صورت الدولة والنظام بمنظر المستبد العالم العادل، الدور التاني اللي لعبته المعارضة المسلحة دور العامل الحفاز لأي قمع يمارسه النظام والدور دا خلا النظام السياسي السائد بمعارضته المستأنسة والنظام الاجتماعي كمان بمعارضته المحتملة، يرضوا بحدودهم ويخافوا من العين الحمرا، ليه اخترت سنة 1998 كنهاية للمرحلة؟ عشان كام سبب منهم إني أتذكر إن المراجعات والمصالحات مع الجماعات الإسلامية المسلحة انتهت في ذا التاريخ ومنها إن 1997 شهد آخر عملية إرهابية كبرى ضد سائحين اللي هي عملية الدير البحري وبعد كدا انحصر الموضوع تقريبًا في شبه جزيرة سيناء.
المهم بعد 1998 ابتدا يحصل تراكم بدائي لحالة سخط على النظام، وبقى فيه حوادث غير مقنعة زي حادثة أبو العربي في بورسعيد اللي اتقتل عشان هيقدم شكوى والموضوع ابتدا يتصاعد بسبب ظروف أخرى خارجية زي الانتفاضة الفلسطينية وحركة دعمها في مصر، وحرب العراق ومظاهرات معارضتها في مصر لغاية ما وصلنا 2005 وتعديل الدستور النظامي عشان يبقى فيه انتخابات رئاسية، وحركة المدونين في 2006، وبعد كدا إضراب 6 أبريل 2008 وانتم عارفين الباقي.
 بعد 2011  فيه حالة قلق عام، لا تشمل فقط نظام الحكم والنظام السياسي لكنها بتنسحب على النظام الاجتماعي التقليدي اللي فجأة إحساسه بالانهيار زاد جدًا ومع كل أزمة جديدة بيواجه بالنوستالجيا الفارغة لحنين للحظة ماضية متخيلة، هو عبر عنها بالتسعينات، لحظة كانت أقل قلقًا أكثر ثباتًا ودي نفس اللحظة اللي نظام الحكم عاوز يرجع لها، نظام سياسي زائد فيه تحالف واسع متخيل ضد خطر متخيل ومنفوخ فيه "مش أحسن ما داعش تيجي" إلخ، إيه علاقة الحدوتة الطويلة دي ب #جبنا_آخرنا أو #كفاية أو غيرها؟ أقول لكم.
 طوال فترة حكم أي نظام فيه مد وجزر لقوى تهدف نقضه من أساسه وسقوطه الموجات دي عاملة زي موج البحر قدام قلعة، يا إما تبقى عالية والقلعة تقدر تصدها بس الموجة تشرخ القلعة شوية، يا إما موجات ضعيفة لا تؤثر وعشان نكمل التخيل فالقلعة زي سور الصين العظيم محاوط مدينة كاملة عمرها ما شافت البحر ومليئة بالبشر كأن السور هو  الجدار اللي قال عنه أمل دنقل
"آه .. ما اقسى الجدار
عندما ينهض فى وجه الشروق
ربما ننفق كل العمر .. كى ننقب ثغرة
ليمر النور للأجيال .. مرة"
البشر اللي ساكنة المدينة الخيالية دي زينا بشر اعتادوا احترام الجدران المرئية وغير المرئية والتعامل معها كأقدار ثابتة، لكن فيه بعضهم عندهم أمل في الموج كل موجة يزيد أملهم إنها تكسرالجدران وتدخل لهم البحر المحرومين منه، وكل لما الموجة تعلا وتدق باب القلعة الأمل يزيد والبشر المؤمنة في الموجة يزيدوا إيمان بقدرتها لكن كل ما كانت الموجة ضعيفة عدم المؤمنين بيقل وما بيفضلش غير قلة مندسة يحسبها أهل المدينة مجانين، عاملين زي الشيخ جلال اللي بينخور السور بعضمة، البشر المجانين دول هما (الآخر) بالنسبة لسكان المدينة، سكان المدينة اللي اتعودت على الجدران واتعودت على مراقبة وعقاب قُواد القلاع والطوابي.
نرجع بقى مرجوعنا للمدينة الحقيقية مش مدينة الخيال ولحظة ثباتها ونوستالجيتها، هنلاقي جرايد معارضة ما حدش بيقراها واللي بيقراها بيتمهزءوا عليه سواء في الدراما ولا في الواقع "يا عم سيبك منه شكله من بتوع المعارضة" ومتصورينه آخر على حافة الجنون بيقول كلام غريب زي فيلم (فوزية البرجوازية)، ودا حصل مع كل موجة جزر، لما الناس اللي بتنزل تخف يبتدي الكلام يتقال "دول بتوع السياسة" "دول النشطاء" وكل ما الموجة تعلا الكلام يقل، مفيش موجة واحدة بتهد، لكن الموجات مع الوقت بتفرق
"little drops of water
Little grains of sand
 Make the mighty ocean
 And the pleasant land"
لكن التراكم دا، اللي شكله بديهي، بيتواجه باعتراضات، ودا طبيعي لأن سكان المدينة المحرومة من البحر بسور وقلاع محرومين من التواصل مع أنفسهم بأسوار وقلاع غير مرئية.
نرجع ل #جبنا_آخرنا، أي حملة معارضة لنظام لها أغراض مباشرة بتعبر عنها وأغراض بتكشف عنها في مسيرتها غرض الحملة المباشر التضامن مع المضربين المعتقلين بسبب قانون النظام اللي جرم بيه التظاهر، وغرضها الواضح كمان تعبير إننا اللي برة طهقنا خلاص و#جبنا_آخرنا من الزهق وصبرنا نفد، ومش معناها خالص إننا جبنا آخرنا وبقينا قليلي الحيلة، بس لها غرض كمان مهم وخفي، إن الشيخ جلال اللي بيحفر الجدران بعضمة ما يحسش إنه لوحده، وإن المعارض ما يحسش إنه الآخر المجنون المنبوذ المعزول ولأن الحملة حملة مطلبية ولسه ما أسقطتش النظام وبتعمل في وسط نظام الحكم والنظام الاجتماعي مسيطرين عليه، فهي بتواجه باعتراضات طبيعية ناتجة عن سيطرة نظام الحكم والنظام الاجتماعي وسيطرة الذهنية اللي بتساعدهم ع الحكم، سيطرة ال govern-mentality على سكان المدينة اللي ع البحر،
 أول اعتراض بيتقال على أي حملة زي #جبنا_آخرنا أو أي تحرك بسيط "وهي يعني هتعمل حاجة ولا انتم هتعملوا حاجة" دون تحديد إيه هي أصلًا (الحاجة)، وعشان نفهم الاعتراض دا ونابع منين لازم نعرف إننا أولاد نظام مُعسكر، سياسيًا واجتماعيًا، مش بس سنة 2014 لا دا 1954 ويمكن من 1824 كمان، وكلنا اتولدنا في ظل النظام دا عشان نحترم القوة والسلطة والسيطرة، واتعلمنا تاريخنا إنه كله فشل لغاية ما جا البطل المخلص وحفظنا الأغاني اللي بتهتف له "ثوار ... مع البطل اللي جابه القدر" و"الله ع الشعب وهو بيهتف باسم زعيمه" اتعلمنا تاريخنا إن ثوارته كلها فشلت من 1881 ل 1919 لغاية ما جات حركة الجيش المباركة -زي ما سموها في الأول- خدت بإيدنا ونقذتنا إلخ إلخ في يوليو 1952، في ظل الذهنية دي بنحترم الانقلاب وبس أو بمعنى أصح مفهومنا عن الثورة منحصر في (الثورقلاب) re(coup)lution  ومستنيين حد ييجي يعملها فنهتف له ونسميها ثورة ونخرس اللي يسميها انقلاب والذهنية دي اتربينا عليها، وسمعنا اعتراضها قبل كدا وقت الاتحادية وما بعدها "الاخوان سيطروا وانتم خلاص مش هتعرفوا تعمل حاجة" وكانت بتجهز وبتعيد عمل عقلية "لا غالب إلا الميري"، احنا أبناء العقلية ديه اتربينا جوا militarized camp اللي بالصدفة إن الكلمتين في العربي "مُعَسكر".
الاعتراض التاني على أي حملة زي #جبنا_آخرنا "وهي الناس هتحس بيكم" الحقيقة إن البشر اللي ساكنين جوا المدينة أم أسوار مرئية وخفية مش بيحسوا بأي حد غير جسمهم، حتى جسمهم ما بيحسوش بيه قوي، هما قابلين وراضيين بالسور الخفي اللي عازلهم عن بعض لكن السور مش قدر ولأن السور مش قدر، المجانين اللي زي الشيخ جلال بيحفروا فيه بمعلقة، والبشر اللي محبوسين جواه برضه قابلينه كقدر لأنهم اتربوا على كدا من زمان، كام مرة اتربينا إن الغريب اللي بيبص لنا عدو؟ كام مرة سمعنا "خبي ورقتك عن زميلك" "داري منه الملزمة لا يجيب مجموع زيك" "صاحبتك دي منفسنة منك وبتحسدك" كل الجمل دي بتسيد عقلية "كلهم أعدائي ولازم أخضعهم وأن ما قدرتش لازم اعتصم بالسور يحميني منهم" وأكيد أي عمل عاوز يهد السور يبقى مش مقنع لها.
الاعتراض التالت على حملة زي #جبنا_آخرنا "إنتم بتكلموا نفسكم والإعلام مش هيحس بيكم"، لكن الإعلام مش محايد أصلًا، هو شغال عند كبار القلعة اللي ع البحر، ولما الموجة بتعلا بيعمل نفسه مع السكان اللي عاوزين يثقبوا السور ويهدوه، لكنه عبد مخلص لصاحب القلعة والسور المرئي والخفي، التلات سنين اللي فاتوا الموج علي وكسر كابينة صحاب القلاع ووقع بعضهم، فالإعلام خد ساتر من غضب الموج والبشر ودخل جوا لغاية ما ييجي قيصر جديد، فلما قيصر الجديد رجع الإعلام لخدمة سيد القلعة والسور والقلاع المحيطة الخفية والمرئية، وأهل المدينة اللي اتخدعوا صدقوا إنه معاهم لكن اللي ما صدقوش عارفين كويس وبيضحكوا في سرهم ويقولوا "ما احنا اتفقنا من الأول إنها وكالات من غير بواب ولا صاحب، وصحاب اللي بيدفع لهم ويكسبهم".
الاعتراض الرابع "احنا شعب وسخ مش بتاع عمل جماعي ولا ثورة" ودا بنسمعه طول الوقت وفي أي مناسبة، البعض - أنا منهم - بيقول كدا من يأسه اللحظي والبعض الآخر مؤمن بكدا، لأنه أتربي في المُعسكر على احتقار نفسه واتربى في المدينة أم سور حاجز البحر عنها على عقدة الأجنبي الساكن برة السور ولأن تربية المعسكر علمته يحتقر نفسه وأقرانه، بيفسر العمل الجماعي إنه زي طابور الجيش، وبيحترم قوي رنة الكعب المنظمة اللي من غير روح، لما بيتكلم عن روح الفريق يبقى بيقصد روح الفريق أركان الحرب قائد الفرقة في الطابور، بيحترم الموسيقا اللي مش باين منها غير المايسترو ويحتقر المزيكا اللي بتعتمد على ارتجال العازفين من غير قيادة، بيعشق أوركسترا الجيش الأحمر العسكري ويحتقر التخت والجاز والسمسمية، وعقدته مش هتنحل غير بانضمامه للي شايفهم أحسن منه، مؤمن بإن الشعب لا يستحق الثورة -مش بيقولها في ساعة يأس وقرف وخلاص- فهينضم للحكام، مؤمن بأن الأجنبي خارج السور افضل منه كقضاء وقدر غالب مش كنتيجة لتطور تاريخي مختلف فهيهاجر له ويشاركه سيطرته وهيمنته واستعماره وعنصريته.
 دول الكام اعتراض اللي قريتهم اليومين اللي فاتوا وحبيت أرغي عنهم، وكلامي مش غرضه إقناع/تجنيد حد، لكن "خد فكرة واشتري بكرة" وقلب الكلام في دماغك جايز بعد أسبوع ولا بعد شهر ولا بعد سنة أو سنين تحس إنه صح، غرض كلامي الوحيد تبص حواليك وتشوف الأسوار اللي محاوطاك وتحس بيها.

*شكرًا للصديقة آسية أحمد على تجميعها للتغريدات.

** تم التنسيق باستخدام الخط الأميري الصادر حسب رخصة المشاع الإبداعي.